آخر الشُهود على زمن الانطلاقة التلفزيونية.. وداعاً مروان شاهين

تشرين- لبنى شاكر:
لم يُخفِ مروان شاهين 1930- 2023 رغبته الابتعاد عن المقابلات والظهور الإعلامي؛ كان هذا عام 2017، خلال تكريمه من قبل مديرية ثقافة دمشق و«نادي شام للقراء»، لكنه استجاب بوجهٍ مُبتسمٍ، لعشرات الطلبات بالتقاط صورةٍ معه، مع انتهاء الفعالية يومها، وعلى ما يبدو، لم يفقد الرجل رغبته تلك، والتي أصبحت أمراً مفروضاً، مع تقدمه في السن، وهو ما أذعن له الجميع، الذين اعتادوا غيابه مع الوقت، إلى أن جاء خبر رحيله منذ أيام، مُفاجئاً، ومن دون أي اهتمامٍ إعلامي، مُعيداً إلى الأذهان، ذكرياتٍ ومواقفَ، وتساؤلاتٍ عمّا آل إليه المشهد الإعلامي عموماً، بعد أن كان زمن التأسيس ذهبياً.
عام 1960، تابع السوريون انطلاقة البث التلفزيوني، وسمعوا صوت شاهين لأوّل مرة يُعلن «من دمشق.. التلفزيون العربي السوري»، وسرعان ما صار وجهاً معروفاً، فهو أوّل من قدم نشرة إخبارية سورية، تتالت بعدها برامجه إعداداً وتقديماً، إلى جانب اهتماماته التشكيلية، وكما يُعرف عنه، استطاع الإعلامي بدأبه ومثابرته أن يضع بصماتٍ واضحةً في المناصب التي تقلدها، سواء في الإعلام أو التعليم أو الفن، إذ تهيأت له في طفولته ظروف ساهمت في نشأةٍ مختلفة، على ما يذكره، في فيلم «يحدّثونك من القلب»، وهو جزء من سلسلة أفلام وثائقية تسجيلية، أعدها الباحث غسان كلاس مع مجموعة من العاملين في قناة «نور الشام» الفضائية، متاحة في يوتيوب.
يقول شاهين: “أخذني عمي مرة لأشاهد ثوار مدينتنا حمص يقاتلون الفرنسيين، كان عمري 6 سنوات وقتها لكنني لم أنسَ هذا المشهد طوال حياتي، جعلني أشعر بوجود المحتل بيننا، أيضاً ساعدتني البيئة حولي لأفهم أموراً كثيرة، منها علاقتي بأخوالي آل السباعي، أحدهم كان قاضياً ونائباً في المجلس النيابي، ثم صار وزيراً، كنا نشعر معه بما يخوضه سياسياً، الآخر كان أديباً، أما مراد السباعي فكان أكثرهم شهرة، قاصاً ومسرحياً وموسيقياً، تأثرت به، فهو من علمني عزف العود، حتى إنني قلدته وكتبت مسرحية يوم كان عمري 12 سنة، كل هذا عرفني بالثقافة والسياسة، عبر هموم الوطن والشأن العام”.
لاحقاً درس شاهين الفلسفة، وكان له حظ وافر بأن دّرسته مجموعة من الأسماء الكبيرة في مجالات مختلفة منها: أمجد الطرابلسي، سعيد الأفغاني، عادل عوا، بديع الكسم، لكن أكثرهم تأثيراً فيه كان عبد الكريم اليافي. واللافت أن شاهين دخل الإذاعة عن طريق مسابقة كانت مخصصة لأصحاب الشهادات العليا، ولم يكن العمل الإعلامي في ذهنه. يضيف عن مشواره: “نُدبت للتلفزيون المصري بداية، وكانت التحضيرات جارية لنظيره السوري، كان هذا مذهلاً في تلك الأيام، ومع قرب الافتتاح، أُرسلت إلى دمشق، وهيأ لنا مدير الإدارة في تلك المرحلة تيسير الحلبي مبنى في الأزبكية، كنا مضطرين للإقلاع بالبث يوم 23 تموز 1960. التقيت مع الأستاذ صباح قباني هناك أول مرة، حيث اختير مديراً للتلفزيون مع إنشائه، وأرادني أن أكون أول مذيع للأخبار، عملنا كثيراً حينذاك، وكان الأهم تدريب الموظفين الجدد”.
قدّم شاهين أول برنامج ظهر على شاشة التلفزيون السوري «هذا الأسبوع» ثقافي متنوع، ثم برنامج «ندوة الأسبوع» محاورات مع الأدباء والمثقفين، بالطبع كانت هناك برامج أخرى لزملائه منها «البيت السعيد» للمذيعة المعروفة ناديا الغزي، وبدأت مسيرة طويلة، من أهم المقابلات التي أجراها شاهين خلالها، حواره مع بشارة الخوري «الأخطل الصغير» في منتصف الستينيات، يقول: “أذكر النشاطات الأولى للثنائي “دريد ونهاد” في الأستديو الصغير، كنا نحب العمل، يمكنني القول إن سبب ذلك النجاح كان الراحل صباح قباني، لم يكن للتلفزيون أن ينجح في تلك الفترة، بوجود رجل غيره، فهو صاحب خبرات متنوعة وثقافة كبيرة ساعدته ليضع الرجل المناسب في مكانه”.
تشكيلياً استفاد شاهين من قراءاته تراجم الفنانين التشكيليين الكبار، وكان تأثره بالغاً بـ«فان غوخ»، كما برع في رسم البورتريه، وبرزت في أعماله «الزيتية، المائية، الباستيل»، ساعده في إبداعاته مخزون معرفي مهم، وإحساس بعلم الجمال وتاريخ الفن. وكما بين الفيلم، كان التشكيل هاجسه فترةً طويلة، حتى إنه عدّه قاسماً مشتركاً، سبق أحياناً إنشغالاته الأخرى.

كان معرضه الأول عام 1961 برعاية وزارة الثقافة، والثاني 1962 برعاية خالد بك العضم، يقول شاهين: “أذكر أنني زرته وعرضت عليه فكرة إقامة معرض برعايته، قال لي: «أعرف أنك تعمل في التلفزيون لكن فنياً!»، أظنه كان متردداً بالنسبة لمستوى عملي، وقبل أن يجيبني اتصل بـمدير الآثار سليم عادل عبد الحق، سأله عني فزكّاني وعدّني بمنزلة ميشيل كرشة، ما شجعه على رعاية معرضي، وأوصاني أن اختار صالة للعرض من دون درج، كي يستطيع الحضور، وفي الافتتاح كتب لي: أعجبني المعرض بما فيه من بدائع لكنني شخصياً أحب الكلاسيكي، الفن قد لا يتقبله زمن ما، ربما تتقبله أجيال أخرى، وكان معرضي الثالث عام 1966 في الكونغو، حيث عملت مدرساً للفلسفة،
لفتت نظري الألوان والطبيعة هناك، فرسمت أجمل لوحاتي”.
أيضاً تسلّم مروان شاهين إدارة معهد الإعداد الإعلامي، وإدارة مكتب وكالة الأنباء السورية سانا في روما، بتكليف من وزير الإعلام الراحل أحمد اسكندر أحمد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار