للتاريخ حكمته، ولصنّاع التاريخ معجزاتهم.. هذا ما ردتنا إليه العملية العسكرية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية منذ صباح السبت بتزامن مدهش مع ذكرى حرب تشرين 1973، ومن بين إنجازات هذه العملية حتى الآن أنها أضاءت المسار الذي أريد من حرب تشرين 1973 وربما أكملت المهمة الأساسية لهذا الانتصار، والأكيد أنها ابتعدت عن خيار السادات، وتمسكت وأكملت الخيار السوري، ابتعدت عن خيار السادات بالتفريط في انتصار تشرين مقابل وهم سلام يخادع حقائق التاريخ، وتمسكت وأكملت الخيار السوري باستكمال الانتصار حتى الحصول على كامل الحقوق الفلسطينية والعربية، لأن في ذلك احتراماً لحقائق التاريخ الذي يذل ويقتل من يخادعونه.
حرب تشرين التحريرية كانت نصراً للعرب جميعاً، صحيح أنها أنجزت على أيدي الجنود السوريين والمصريين، لكن وللحق كان حولها ومعها ووراءها الأمة العربية كلها، واليوم فإن استكمال روحية حرب تشرين التحريرية بالعملية المقاومة في فلسطين، هو استعادة لكرامة العرب وإضاءة جديدة لمسار انتصار يكمل في تشرين 2023 انتصار تشرين 1973، وهذا ما يحتم على العرب التقاط الإنجاز وتحصين ومنع «إسرائيل» وأمريكا من التلاعب به أو إجهاضه، وطبعاً لا تكفي الدعوات لضبط النفس أو الحذر أو.. أو.. إلخ، بل لابد من عمل جدّي يحصّن ما أنجز، ويساعد على منع أي انتقام صهيوني، كما لابد من الوقوف بحزم ضد تحويل انتصار المقاومة إلى حرب تصبّ في مصلحة أعداء العرب والعروبة. اليوم تستدعي الضرورة المسارعة أولاً إلى تقديم كل العون الطبي والخدمي والإغاثي عن طريق معبر رفح، لأن غزة بأمسّ الحاجة له، وتالياً تستدعي الضرورة تثمير ما أنجز لمصلحة العرب بعيداً عن استثمار أي طرف يريد التلاعب بمصائر المنطقة، كما أن العروبة اليوم تتوهج بانتصار المقاومة، وتبعث من جديد على أيدي المقاومين، وعلى العرب المسارعة لحماية هذا الانبعاث المتجدد والملهم للعروبة.
رغم أن بعض الحكام العرب لم يعترف بحكمة التاريخ، ولم يربط عملية المقاومة الجارية بحرب تشرين التحريرية، حيث إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أشار إلى هذا الرابط عندما قال في اليوم الثاني للعملية المقاومة: «لم تتعرض إسرائيل لمثل هذا الهجوم منذ حرب تشرين 1973»، إذا كان الأمريكي الصهيوني اعترف وربط ويعمل وفق هذه الحقيقة فلماذا يتأخر العرب؟ ثم هناك خبث صهيوني ماكر بدأ الترويج بأن هذه العملية هي 11 «أيلول الإسرائيلي» ليزيّف حقيقتها التحريرية، وكي يخدع العالم ويمثل دور الضحية، لذلك فإن على العرب المسارعة الدبلوماسية والإعلامية لفضح ادعاءات الاحتلال وتأكيد حق المقاومة في مواجهته، وترسيخ أن عملية المقاومة في فلسطين ليست إلا «نتيجة الإرهاب الصهيوني المجرم المغتصب للأرض والمشتّت للشعب والمُرتكب لكل عنصرية وفاشية».
حكمة التاريخ ومعجزة صنّاعه تكملان مسار تشرين التحريرية، وتبعثان روح العروبة القوية الفعلية المقتدرة، فهل يلتقط العرب روح عروبتهم وهي تنبعث من الأقصى، أم يتركونها للآخرين ليجيّروها لمصالحهم وليعبثوا بها ويضيّعوها؟ سنرى!