ونبتن كحبّات القمح نثراً ومقفى ومحكيّاً قصائد الأدباء في فاجعة شهداء الكلية الحربية في حمص

تشرين- راوية زاهر:

ألا يحكي الأدباء والفنانون، ويجدوا المعادل الإبداعي لهول الفاجعة الآن، وهنا، فلا معنى لأن يتحدثوا أبداً.. والأدباء السوريون الحقيقيون الذين هزتّهم فاجعة الغدر التي ألمت بالطلاب الخريجين وذويهم؛ سجلوها بكل أنواع الإبداع ولاسيما في مختلف أشكال القصيدة التي كانت أقرب الأنواع لتصوير الفاجعة وتسجيلها نثراً ومقفى ومحكياً، وحتى لا نطيل في التقديم لنقرأ مع الشاعرة سعاد محمد أمام ارتعاشات الموت تقول :

يا الله يا واسعَ النّجوم..

لمْ يطلبْ إلّا واحدة..

يعلِّقُها بلحةً على نخلةِ الكتفين، فلِمَ أطفأتَه؟!..

وأنتَ ذاهبٌ لتعزِّي بمنْ كنْتَ تستلفُ منه الأمل

بالألفِ الممدودةِ الّتي كانت ستسترُ ٱخرةَ البلد..

بدلاً من التّاءِ المربوطةِ على معلفِ الأعداء..

وفِّرْ بكاءَ الطَّريق، يعوزُك الجلد!..

لن تفيدَك كلماتُك السّوداءُ، ولا دمعُك الكريم..

ابقَ مكانَك..

عزِّ نفسَكَ بنفسِكَ..

بالولدِ والبلد!

أين أدفنُك يا ولدي؟

قربَ نبعةِ العينِ؟

في دماملِ القلب؟

أمْ في صوتِكَ تحتَ شجرةِ الصِّبا؟!

سأكونُ أكثرَ لباقةً، وأحفرُ أعمقَ في الوجع..

سأدفنُكَ في زغرودةٍ أطولَ من عمر الأبد!..

نحبُّكِ أيَّتُها البلادُ، لا لأنَّكِ البلاد..

نحبُّكِ لكثرةِ ما أعطيناكِ..

والقلبُ قاطرةٌ في عمرِ من نعطيه!..

تلك دقائق فصلت بين النجوم المعلقة على الأكتاف، وعناق الأحبة، القبعات التي تطايرت في السماء، وأشلاء ضحايا الفاجعة، الكلية الحربية في حمص، وفي احتفالها بتخريج دفعة من الضباط العسكريين وبرفقة ذويهم في مرمى الحقد الأسود عن طريق مسيرات حوّلت الفرح إلى مأتم جماعي، وفاضت على إثر جنونها قرائح الشعراء والكتّاب وهزّت الفاجعة ضمائرهم، وراحت أقلامهم تنزف من هول الفاجعة. ..

فهاهو الشاعر حسن علي المرعي يشكو وجع البلية قائلاً تحت عنوان (المجزرة) شعراً مقفى:

يـا واسـعَ النُّـعـمى عـلى الجُّـلاسِ

بيـنَ الجُّـفـونِ بـروضـةِ المـيـمـاسِ

مُـتـزمِّـلٌ بـالأخـضـرَيـنِ تـعـلُّـقًا

خُـضْـرِ العيـونِ وخُـضـرَةِ الآكـاسِ

لا نُـكْـرَ في كأسَـيكَ عِـنـدي إنَّـمـا

عِـلْـمَ اليقيـنِ تـصـبُّـها مـنْ كاسـي

بـيـضـاءُ مـعـرفـةٍ تـنـبَّـذَ نُـورُها

لُـغـةَ السـمـاءِ بِـحِكـمـةِ القِرطـاسِ

بالأمـسِ مِنْ ليلى شَرِبْـتُ رُضابَـها

مـمـزوجةً بـطِـبـاقِـهـا وجِـنـاسي

واليومَ يا عَصـرَ الدماءِ تخضّبَتْ

بـخُـلاصـةِ الـيـاقـوتِ والألـمـاسِ

وكـأنَّـهـا ومِـنَ القـديـمِ بُـدُورُهـا

آلامَ ضُـبّـاطِ الـسـمـاءِ تُـواسـي

صُبِغَـتْ بأجمـل ما الرياضُ تزيَّنَتْ

وبـخَـجْلـةِ العـرسـانِ بـالأعـراسِ

لابـأسَ بالحِـنّـاءِ مـنْ مُـتـسَـربِـلٍ

بـشـهـادةِ الأوطـانِ لا مِـنْ بـاسِ

هي مصنَـعُ الأبطـالِ وازدخـرتْ بهم

ما تـرتـجيـهِ القُـدسُ من قُـدّاسِ

لكـنَّ باسـمِ اللّاتِ نـابَ عـنِ العِـدا

فـي ذبـحِـهِـمْ سِـكِّـيَـنـةُ الأرجـاسِ

فتخـرَّجـوا نحـو السـماءِ بمـوكِـبٍ

يسـقي الشُّمـوسَ بـقِـربَـةِ العبّـاسِ

وتزاحـمَـتْ طُـرُقُ السمـاءِ بأنـجُـمٍ

ضـاقَـتْ بـها أكتـافُ أرقـى النـاسِ

أوما تَـرَونَ على المـشـارقِ ضـابِـطًا

ووراءَهُ صَـفُّ النـجـومِ سـواسي

وعـلى المـغـارِبِ دمـعـة سـوريَّة

تـشـكـو مـنَ الوسـواسِ والخـنّـاسِ

فالفاجعة أطلت برأسها كرقطاء تنفث سمّاً في وجوه الحاضرين، ولم تنج منها الطفولة، فمن «زينة» إلى «ريمة».. مشى الموت متبختراً فما خجل.. وتابع وما كَلَّ ليسرق أُسراً بأكملها ويترك ثأرَ أب وأخ وأخت معلقاً في رقبة ضابط صغير خطا أولى خطواته متبختراً بنجمته لتصير ناقوس انتقامٍ يدقّ في قلبه كلما وقعت عينه على نجمة.. وكذلك رأينا الشاعرة طهران صارم تبكي الراحلين وسورية بأحرفٍ من قهر:

أنا القتيلة..

لن يقصيني الغياب

دمي الآن في كل الشوارع

وأنت ستلقاني في كلّ الأزقة

هم لم يفعلوا شيئاً..

فقط اغتالوني

وأعدموا الغياب.

و«زينة شلهوب» تلك الطفلة التي طالتها يد الغدر من دون أن تشفع لها ابتسامتها الرقيقة ولا ضفيرتاها اللتان حملتا مرسال عشق للقمر.. قدمت لتحضر تتويج أخيها فتوّجها الموت نجمة في محافل الغدر.. الطفلة الشهيدة زينه بقلم الشاعر ثائر عيد يوسف :

أتاها الصوت من حلم تعالي إلينا يا زينه

دعي الدنيا وما فيها هنا الأنوار تحمينا

فنادى الثغر في صمت وهل أمي ستأتينا

روت أحلامنا دمعاً روت أيامها فينا

فهل قلبي يطاوعني أرد الدين سكينا

خذوا قلبي لأحضنها خذوا من وجهي عينا

وداعي إليك يا أمي وداعي يا محبينا.

ولم يبخل الشعراء بمحكيهم الحزين فحضر الشاعر بلال أحمد يبكي أبطال الحربية بوجيزه المحكي : يا وطن يلي بالشهيد منزرعك

ابني رحل عالموت حتى يرجعك

ولما فرحتْ علق عكتفو نجمتين

قلتلو يا رايح.. أنا رايح معك.

وفي نص وجيزي من قصيدة نثرية يرثي الشاعر محمد سعيد حسين ضحايا المجزرة قائلاً:

يا عابراً سبلَ المجاز،

إلى متى تطوي المنافي ممعناً في الغيّ،

مسكوناً بأحلام الإياب..؟!

هذي بلادُك تنتضي يأس الثّكالى في، «مدارات الغياب»

هيّا بنا

نُجلي المراثي عن غُبار الرّوح؛

نلقي الرّاية الخضراءَ

في وجهِ الخراب

ثمّ الّذي في قلبك المُدمى ـ صديقي ـ أغنياتٌ،

تنثر الأحزانَ في الرّوحِ اليبابْ

فارفُض نجيعكَ يا أخي السّوريّ؛

إنّا في لظاها،

بعضُ أحلامٍ عِذاب..

وفي طريق الإياب يا وطني لن يضلّ

عشاق الكرامة طريقهم

هاهو الردّ الذي لم ينم على «التارات» طويلاً يولد من رحم تشرين مرةً ثانية كما ولد من قبل، اليوم كان الانتقام في السبت الميمون مجلجلاً، فقبل خمسين عاماً حطمت أسطورة الجيش الذي لايقهر، لكنهم عادوا بمساندة الشياطين والعملاء إلى غطرستهم، فتوّجب إعادة التذكير كي تُسحق أنوفهم، ويُنتقم لكل شريف، لتهدى صواريخ الردّ على مجزرة الكلية الحربية وتدكّ مستوطناتها بـ(٥٠٠ ) صاروخ يقلبها رأساً على عقب بطوفانٍ مبارك من الأقصى..

ولسان حال الشاعر يحيى زيدو يوثق الطوفان حروفاً :

الطوفان من غزة

والطواف على كل فلسطين

حي على الفلاح

بحر غزة مغلق على الأعداء

ونوح عجز عن صنع السفين

الناجون وحدهم هم الذين بقوا متجذرين في الأرض

وعبروا السياج

مشياً على قلوبهم

و أيديهم على الزناد

لناجون هم الذين كفكفوا الدمع

وأخرجوا الأمهات من سواد الحداد

إلى فضاء الزغاريد

الناجون هم الشهداء

سنابل القمح المبذورة في الأرض

الناجون هم الأبطال الذين

أنبتوا الصبح من لمسة أصابعهم على الزناد

وأعادوا إنتاج التيه مرة أخرى

موسى كسر عصاه

فلا بحر يشق

ولا عبور سوى إلى التيه مرة أخرى

هذه الأرض لأهلها

والآخرون عابرون

ولدينا ما نفعله على هذه الأرض

اليوم وغداً

وكل يوم..

واختم مع هذا الوجيز للكاتب علي صقر المتعدد النتاجات الأدبية، وبلغته المنتشلة من عمق التراب:

طمرونا

في التراب؛ لظنهم أننا متنا..

فنبتنا

كحبات القمح…

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
(وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان أين وصلت عمليات الترميم والتأهيل لمتحف معرة النعمان وماذا عن متحف حماة وقلعتها؟ بسبب العاصفة.. أضرار مختلفة في الشبكة الكهربائية باللاذقية