المكرسون في المشهد الثقافي.. ماذا لو تأخروا قليلاً؟!
تشرين- علي الراعي:
ثمة أسماء في المشهد الثقافي، والتي أصبحت اليوم “مُكرسة” كعبء، فهي راسخة في النقد والحفاوة وإصدار الكتب عن “إنجازاتها”.. حتى وان أصبح بعض أصحابها في الدنيا الآخرة.
أسماء راسخة كالرواسي في المشهد الثقافي لا تهزها ريح أو تغيير، والتي غالباً ما يصفون زمنها بـ”الجميل” أما إذا سألتهم عن ماهية جمال ذلك الزمن؛ فيرتبكون ويرتكبون، مؤكدين إن ليس من قامة اليوم تعلو هامة هؤلاء المبدعين.. ونحن هنا لا نُشكك في قيمة ما أنجزه هؤلاء المُبدعون في مختلف الأجناس الإبداعية، لكن هل يُعقل أنّ الزمان وقف عند هؤلاء.
الراسخون كعبء
ولنسأل أنفسنا: ماذا لو تأخر هؤلاء المبدعون الذين ظهروا خلال منتصف القرن العشرين إلى أيامنا هذه، وقدموا ما قدموه من نتاجات إبداعية، هل كانت لاقت تلك الإنجازات ذات الحفاوة؟ ماذا لو تأخر هؤلاء المكرسون لبعض الوقت، لربع قرنٍ مثلاً؛ هل كانوا وصلوا لما وصلوا له من رسوخ بحيث لم يعد لدى المرء -ناقداً أو متابعاً- أن يُضيف لو ميليمتراً لما قيل عنهم، ومع ذلك لاتزال تُعقد لهم حلقات وندوات “الدبكة” للتغني بأمجادهم السالفة كلَّ حينٍ من التكرار لما كان قد قُيل عشرات المرات سابقاً، وفي نظرة سريعة لما يصدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وحتى ما يُصدر من إصدارات عن اتحاد الكتاب العرب؛ تبدو في معظمها “تنفيعات” لبعض المحررين والموثقيين لتلك الندوات وكأن الزمن توقف وحرن كبغلٍ عند اجتياز ساقية، عند هؤلاء المبدعين السابقين.
كبغلٍ عند ساقية
كلُّ ذلك يتم على حساب المبدعين الجدد، وعلى حساب النتاج الإبداعي الجديد الذي غالباً ما يتم رفضه من هذه العقليات التي تنعمُ في عسل “السلفية” أو الزمن الماضي.. رغم أنه قدم إلى الساحة الثقافية بعد هؤلاء عشرات الأجيال، ربما الكثير من منهم؛ يزيدون إبداع هؤلاء إبداعاً إذا ما تمت المقارنة بين نتاج هذه الأجيال.. وهنا لنسأل أنفسنا: كيف تكرّس هؤلاء وتمددوا حتى غطوا على المشهد الثقافي برمته؟
ساحة الجميل الخاوية
وفي الإجابة، يُمكن للمتابع أن يحصل على غير سبب وباعث، منها – على سبيل المثال- أن معظم هؤلاء من تسلق أو حتى الذي صعد شجرة الإبداع عن طريق سلم السياسة، والأحزاب الإيديولوجية، ومنهم من جاء إلى ساحة الثقافة، وهي كانت على فراغ، ومن ثم هم احتكر هؤلاء المنابر الثقافية، أو ثمة من احتكرها لهم، وهي بكلِّ الأحوال كانت منابر محدودة ومتشابهة ولا تعدد فيها، وكان أن لم يتركوا حيزاً مهما ضاق فضاؤه لآخرين غيرهم..
ومن أسباب تكريسهم إنهم في الغالب كانوا من العاصمة أو من أقام فيها، ومن ثم كان أن تسلموا الكثير من المسؤوليات والمناصب –البعض منهم لايزال يتقلدها وقد بلغ عتياً– ومن ثم كانت الشبكة الواسعة التي نسجوها مع المسؤولين وغير ذلك من أسباب التكريس، بحيث كان أن صنعوا بمثل هذه “العمودية” نجوماً واقطاباً، وهذا ما لم يتوفر لمن جاء بعدهم..
العمودي الذي أمسى أفقيّاً
واليوم ومع الميديا الجديدة، التي استطاعت أن تفك وبلا هوادة الاحتكار القديم، ومن ثم كان هذا الانتشار الأفقي الذي أطاح بمسألة النجومية والقطبية، وهدمت زيف المتكرّس أو الذي جرى تكريسه، وغالباً من دون وجه إبداع.. ومن هنا نقول لو تأخر هؤلاء بالظهور إلى عصر وسائل التوصل الاجتماعي- ربما – لما كان سمع بهم أحد، وسقط الكثير منهم في أول اختبار، ولم تنفع معهم كل تلك “المخملية” التي توفرت لهم، والتي تنعموا بها طول الوقت.. والدليل تجاهل الميديا الجديدة لهم، وكأنها”تثأر” لكلِّ تلك الأجيال اللاحقة التي تمّ تهميشها، في “ديمقراطية” النشر والتواصل الجديدة، حيث لامجال اليوم عن الحديث عن الكاتب – النجم، حتى أن الأمر انسحب إلى السينما والمسرح والتشكيل وغير ذلك. وبالتأكيد كلُّ ذلك لمصلحة الإبداع على تنوعه وتنوع المشتغلين فيه.
صحيح أن كل إبداع يُقاس بالمعايير (الزمكانية) التي نشأ فيها، لكن لماذا لا نلتفت لما يُنتج اليوم، ولماذا هذا الإصرار للبقاء بجوار “السلف الصالح والزمن الجميل” وكأنّ لاصلاح ولا جمال إلا فيما مضى، يا عفو الله!