مع ازدياد وضوح غياب المبعوث الأمريكي إلى إيران روبرت مالي، ومع انكشاف خضوعه إلى التحقيق بتهمة (تسريب معلومات سريّة)، ومع ترسيخ القناعة أنّ مالي موقوف عن العمل، مع كل ذلك, يغيب عن الساحة الدولية أنّ أوّل من كشف قضية غياب المبعوث الأمريكي إلى إيران هو صحيفة (طهران تايمز) الإيرانية، وبذلك سبقت هذه الصحيفة الإيرانية الإعلام الأمريكي في كشف قضية مهمة تخصّ العمل في وزارة الخارجية الأمريكية، وتتعلق بشكل حيوي بالسياسة الأمريكية و بما يُسمى الأمن القومي الأميركي.
في البداية نشرت ( طهران تايمز) ما سمته (وثائق أمريكية مسربة) تفيد أنّ روبرت مالي (جمّد عمله وسحب ترخيصه الأمني) وهو قيد التحقيق في قضية تتعلق بـ( سوء التعامل مع المعلومات السرية) و أفادت الصحيفة يومها أنّ مالي (ما زال يمارس بعض أعماله التي لا تتطلب تصريحاً أمنياً) وهكذا كشفت صحيفة طهران تايمز قضية تتعلق بأكبر مسؤول في شؤون إيران في الخارجية الأمريكية، وهو كشف يحتاج إلى كفاءة صحفية استقصائية كبيرة.
الخارجية الأمريكية كي تداري على القضية أخبرت الصحافة في 29 يونيو أنّ مالي ما زال المبعوث إلى إيران، وأنّه (سيقضي إجازة غير مدفوعة ابتداءً من اليوم) فكم هو واضح الكذب.؟؟ وكم هو فاشل التستر على القضية؟؟ لذلك فإنّ رئيس الشؤون الخارجية في الكونجرس مايكل كول رأى أنه ما يجري يدل على (عدم صراحة) من قبل الإدارة، ويندرج في إطار( إخفاء معلومات) ويعد (عملية تضليل) واضحة، كول معه كلّ الحق، لأنّ الخارجية الأمريكية كذبت على الكونجرس عندما حاولت تبرير عدم حضور مالي جلسة استماع في الكونجرس، بحجة أنّ لديه (مشكلة طبية) وبالعودة إلى طهران تايمز فإنّها كشفت أنّ مالي أُحيل إلى التحقيق في اليوم نفسه الذي ادعت فيه الخارجية أنّه في إجازة غير مدفوعة.
وحول سوء تعامل مالي مع المعلومات السرية، تقول طهران تايمز إنّ لديها وثيقة لـ (مذكّرة سرية داخلية) لوزارة الخارجية الأمريكية توضح بالتفصيل خيارات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لمساعدة المتظاهرين الإيرانيين ضد الحكومة في أواخر العام الماضي، وتقول الصحيفة لابدّ أنّ مالي شارك في مثل هذه المذكرة، فهل أساء مالي استخدام معلومات هذه المذكرة ؟ وهل شاركها مع الإيرانيين ؟ أم إنّ الإيرانيين استطاعوا الوصول إلى هذه المذكرة بطريقة ما منه؟ هكذا يتساءل الإعلام الأميركي.
يبدو أنّ ( طهران تايمز) سبقت الصحف الأمريكية في كشف قضية غياب واتهام مالي، ويبدو أنها سلكت طريق الكفاءة الصحفية في استقصاء المعلومات، و البحث في القضايا الجوهرية ونشرها بشكل يؤثر في الدوائرالأمريكية ذاتها من كونجرس وخارجية ومخابرات مركزية، علاوة على تأثيرها في الرأي العام الأمريكي والعالمي، فيبدو أنّنا أمام (تخصيب صحفي) متقدم وكفؤ، وهو درس لكل صحفية أو صحفي يتطلع إلى دور إعلامي في التأثير في الرأي العام بكشف حقيقة القضايا الجوهرية.