المخرجة رهف الجابر: ذواتنا المسلوبة محورُ عرض «خَدَر»

تشرين- حوار: بديع منير صنيج:
من تابع العرض المسرحي الراقص »خَدَر« لمصممته ومخرجته رهف الجابر سيكتشف حساسية عالية في التقاط ملامح إنسانية شفيفة، لها علاقة بالتعامل مع شعور متجذِّر في دواخلنا نحن السوريين، رغم أننا لم نع وجوده إلا بعد فوات الأوان، هذا الإحساس متمحور حول مقولة ممدوح عدوان «نحن لا نتعوّد يا أبي إلا إذا مات فينا شيء، وتصوَّر حجم ما مات فينا حتى تعوّدنا على كل ما حولنا».
التّحدِّي الكبير الذي واجه فريق العرض هو كيفية نقل شعور الخَدَرْ بكل ما يعنيه من لامبالاة تجاه كل ما يحصل حولنا، وذلك عبر الحركة والقليل من الكلام، والاتكاء على نوتات جسدية فيها الكثير من الاقتصاد الحركي لكنها نابعة من جوَّانيات المؤدّين وفهمهم العميق لأدوارهم التي يعايشونها ضمن كتلة خشبية (تصميم كنان جود) تأسر وجودهم، وتجعلهم يُداورون حياتهم فيها وعلى حوافها ومتعلِّقين بحبالها، وذلك وفق متتاليات تعززها موسيقا علي سليمان وإضاءة محمد نور درّا.
عن آليات التفكير في تجسيد شعور الخَدَر مسرحياً، كان لنا هذا الحوار مع مخرجته رهف الجابر:
* كيف نشأت فكرة العرض أساساً؟
الفكرة الرئيسة لهذا العمل نشأت من تتالي الظروف السيئة التي جعلت الناس في سورية غير مبالين بأي شيء حتى بالموت، ومن ذلك الحادثة التي أودت بحياة ثلاثة عشر إنساناً تحت جسر الرئيس بعد أن تم تفجير الحافلة التي تقلهم، آنذاك وصلت إلى العمل، ووجدت أن الجميع يمارس حياته بشكل طبيعي، من دون أي إحساس بشيء.
حينها شعرت أننا ضمن كارثة حقيقية، إذ تجاوزنا موضوع موت الذات أو موت الأهل أو هل أستطيع تأمين مأكلي… إلى ما هو أبعد من ذلك.. سُلبنا ذواتنا ولم نعد نشعر بشيء. من هنا نشأت فكرة العرض في ظل تتالي الاكتئابات المديدة التي نتعرض لها، كل واحد منا يريد أن يأخذ خطوة جديدة، لكنه لا يمتلك الجرأة لذلك، ويتردد لأنه لا يعرف ما سيحصل، فليس فقط المستقبل، وإنما الحاضر بات مجهولاً بشكل تام.
الأساس في العرض، هو أننا تهيَّأنا لنستقبل كل الظروف السيئة في هذا البلد بطريقة خاطئة، ناجمة عن التربية والتعليم والمجتمع بشكل عام، بمعنى أن هناك عُقَداً مصدرها الطفولة في الأساس، وهنا استعرضنا بعض الحالات مثل تلك الفتاة التي أفقدتها والدتها شعرها الطويل خجلاً من شيء ما، بدل أن تجعلها تتباهى في مراهقتها بأنوثتها وتتصالح معها، وهو ما يؤدي بها إلى التَّصنُّع والكذب، أو الحالة التي لها علاقة بالجوع، فلم تتوفر له الظروف الغذائية المناسبة، وحالة الشخص الذي أضاع والدته، فبات يتيماً، وعندما التقى بها مرة أخرى وجد أنها بعيدة عنه عاطفياً ونفسياً، وهناك من يتحدث عن الرطوبة ورائحة العفونة، وأعتقد أنها تختصر الظروف التي نعيشها سواء من جوع وفقر مُدقِع. هذه الحالات من مجموعة كبيرة من الأصوات التي سمعناها في بداية العرض.
* كيف تمّ الاشتغال على هذه الموضوعة الصعبة حركياً؟
حاولت الدمج بين ثلاث راقصات وأربعة ممثلين، فمن رأيي على الراقص أن يعرف كيف يحس كممثل وعلى الممثل معرفة كيف يتحرك كراقص، ولذلك صممت للجميع حركات ليست واسعة، طبيعتها اتكأت على الأنماط الحركية التي نشأت في الحرب، وهي حركات إلى الداخل أكثر، وقاصرة دائماً، لتصوِّر الناس الفاقدين معظم أدواتهم، ويسعون للاستمرار بالأدوات التي بين أيديهم، خاصةً أنه لا فضاء واسعاً يتحركون فيه، وهم مخنوقون ضمن دائرة خطوطها رفيعة يسيرون عليها بصعوبة، مع اهتزازهم الدائم الذي يشير إلى عدم التوازن.
اشتغلت مع المؤدين ليكونوا على الخشبة وعلى تلك الكتلة الخشبية من دون خوف، وغايتي أن يشعر المتلقي هو بالخوف، بدل أن يبقى غير مكترث لأن الخطر غير محدق به، أي ألا يصيبه الخدر الذي وقعنا فيه جميعاً.
اشتغلنا على العرض سنةً ورقياً، ومنذ الشهر العاشر بدأنا بروفات حركية على الكتلة التي صممها كنان جود، وتمثل ثلاثة مستويات، كلما كنّا في المستوى الأعلى زادت حالة الخَدَر، وكلما اقتربنا من الأرض التي لا نلمسها طول فترة العرض ابتعدنا عن الخدر، لأن الأرض هنا تمثل المُشتهى الذي لا نستطيع الوصول إليه والاستقرار عليه، فنحن في حالة من عدم التوازن، ومَنْ هم على الحبال هم في الوضع الأسوأ، ففي رأيي كلما ارتقى الإنسان إلى المستوى الأعلى ثقافياً ومادياً يصل أكثر إلى حالة الخدر، ونهاية العرض كانت رفضاً للظروف وسعياً للاستمرار، ولو كان ذلك عبر البكاء، فهذه الظروف موجعة، وصحيح أننا بكاؤون لكننا مستمرون في المحاولة والمقاومة والثورة على ما نعيشه.
يذكر أن العرض من أداء: بشار أبو عاصي، تيما الغفير، رهف الجابر، علي خزامي، علي فطّوم، عليا السعدي، كارمن علي، وتم إنجاز العمل بدعم من الصّندوق العربي للثقافة والفنون– آفاق، والمورد الثقافي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار