«مها صالح حمودي»… روايتان من زمنٍ مضى والثالثة في حدثٍ راهن

تشرين- لبنى شاكر:
في عامها الدراسي الأول، في كلية الهندسة الكهربائية، كتبت مها صالح حمودي «اللاذقية 1972»، روايتها الأولى «جرحٌ في الصميم»، لكنها ظلّت بعيدة عن عوالم النشر، إلى جانب مجموعةٍ قصصٍ قصيرةٍ أخرى، لم تجد طريقها إلى الحفظ، وفي الفترة ذاتها كانت روايتها الثانية «شبابٌ يحتضر»، ومن ثم ابتعدت حمودي كليّاً عن الكتابة، مع انشغالات الدراسة التي احتاجت تفرغاً كاملاً، وما تلاها من سفر وزواج وعمل، إلى أن أعطتها والدتها، ما خبّأته لها من أوراقٍ وكتابات، لِتبدأ خطوةً ثانية، مع طباعة ونشر الروايتين عام 2018، والمكتوبتين أصلاً عام 1992.
لم يكن اختيار الرواية، دوناً عن غيرها من الأجناس الأدبية، مقصوداً أو واعياً، لذلك لم تتخوّف من ردّات الفعل والتقييم، على ما تقوله المهندسة حمودي في حديثٍ إلى «تشرين»، إنما كانت الكتابة هوايةً، وعلى حد تعبيرها «الموضوع كان بالنسبة لي، ممارسة شيءٍ أعشقه، فلم أفكّر في النقد»، وحتى بعد مرور زمنٍ على الروايتين، لم تقم حمودي، بأي شكلٍ من أشكال التعديل، قُبيل الطباعة، والانتقال بموجبها من مرحلة الكتابة للنفس، نحو التفكير بجدية وإدراك ما يُمكن أن تُحدثه الكلمات والأفكار من أثرٍ عند القراء، بمعنى استحقاق النشر فعلاً، لكنها تعاطت مع الأمر، بطريقةٍ مختلفة، تقول «عندما أعادت لي أمي ما كتبت، أحسست أني وجدت لقيا أثرية، لذلك لم أشأ أن أُغيّر فيها حرفاً».
في الروايتين، اعتمدت الكاتبة، سرداً مُتدفقاً، بمفرداتٍ مُتداولة وواضحة، إضافةٍ إلى الكثير من الحوارات بين شخصياتها، وكما تشرح، غايتها أن يستطيع أي قارئ فهم المغزى، بعيداً عن الغموض، وهو ما سعت إليه في الموضوعين أيضاً، باعتمادها حكايةً واحدة رئيسة، ففي «جرح في الصميم» يعيش بطل الرواية كمال، حالة نفسيةً صعبة، بسبب مرضه في القلب، وإحساسه بالدونية، وهو ما لا يستطيع تجاوزه تماماً، رغم تحسّن حالته الصحية وزواجه من أماني بعد إشكالياتٍ عدة، ما يستدعي إشفاق القارئ عليه، أكثر من اقتناعه بما يُكابده، تقول حمودي هنا: «عاش كمال آلاماً جسدية ونفسية، ربما حالة الحزن الآسر الموجودة، مرتبطة بشيءٍ من أحزان جيلنا، فنحن شئنا أم أبينا نعيش حزناً متوارثاً في جيناتنا، وكما قال الشاعر نزار قباني (أنا شاعرٌ عربي شربت الحزن، ولا أستطيع أن أكون كشاعر أوروبي)، إضافة إلى سبب آخر، وهو عمري أثناء كتابة الرواية، سن التاسعة عشرة، ليس بالنضج الكافي، فيه الكثير من العواطف والقليل من العقل».
أمّا «شباب يحتضر» فهي في وصف حمودي «رواية للشباب في أنحاء الوطن العربي، ناقشت فيها بداية خطورة إدمان المخدرات، ثم انتقلت في نهايتها إلى إدمانٍ من نوع جديد، وهو إدمان عالم الإنترنت، وما يحويه من مخاطر»، تُضيف أيضاً في مقدمة الرواية:«وسائل التواصل الحديثة، باعدت بين أفراد الأسرة الواحدة، حتى ليعيش الأشخاص تحت سقف واحد، ولكلٍّ منهم عالمه الافتراضي الخاص به، وكما تخدع زهرة الأفيون، ذات المنظر الجميل، وتُخبّئ خلفها الموت والانهيار، كذلك هذه الوسائل التي تحمل في طياتها الكثير من المشكلات».
شاركت المهندسة حمودي في ندوةٍ لنقابة المهندسين في اللاذقية، عبر قصةٍ قصيرة، عنوانها «شهيد المدرجات»، تحكي قصة شاب عاد من خدمته العسكرية سالماً، ليستشهد في مباراة كرة قدم، إثر عياراتٍ نارية طائشة، وتعكف حالياً على كتابة رواية، تتناول حياه أسرة سورية، عاشت أحداث السنوات العشر الأخيرة، لِتكون خطوتها الثالثة في ميدان الكتابة هذه المرة، مُتكئةً على تجربتين سابقتين، امتلكت عبرهما الجرأة لتقول كلماتها الأولى بما لها وما عليها، مع خبرةٍ حياتية كافية بطبيعة الحال، كما لا يُمكن تجاهل حساسية الكتابة في موضوعة الحرب، كحدثٍ لا نزال نختبر تداعياته، وهو سببٌ يدفعنا لانتظار العمل القادم، وعلى ما يبدو، ستكون للكاتبة حكايتها الخاصة مع الزمن، الماضي والراهن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار