«ست الدنيا»… خمس عشرة لوحةً وحكايةً من لبنان إلى دمشق

تشرين- لبنى شاكر:
أثناء كتابةِ هذه المادة، تَعبرُ خمس عشرة فنانةٌ لبنانيّة الحدود، عائداتٍ إلى بيروت والبقاع وبعلبك والجبل، بعد ثلاثة أيامٍ أمضينها في دمشق، بدأنها باستراحةٍ قصيرة قبيل الاستعداد لافتتاح معرضهن «ست الدنيا» في صالة الشعب، وهي المرة الأولى، على الأقل منذ ثلاثة عشر عاماً، التي تستضيف فيها البلاد تجمعاً فنيّاً من دولةٍ جارة، وأنهينها سريعاً مع ضرورات العودة إلى لبنان، وعلى أن الخبر مرّ مُوجزاً أيضاً إعلاميّاً، لكن في التفاصيل، الكثير مما يستحق التوقف عنده.
ظهرت فكرة المعرض خلال معرض جمعية شموع السلام الثامن، في خان أسعد باشا، العام الماضي، والكلام للفنانة لينا رزق مديرة الجمعية، يومها شاركت فنانات لبنانيات، أعجبتهن الأجواء وتحدثن عن فكرة إقامة معرضٍ خاصٍ بهن في دمشق، تقول رزق لـ «تشرين»: «أردنا للفكرة أن تصبح حقيقة لا مجرد كلامٍ عابر، وكوني عضواً في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، بدأت بالتحضير والعمل للحصول على الموافقات اللازمة، وفي الوقت نفسه كانت الفنانة أنس غندور في لبنان، تتواصل مع فناناتٍ من بلدها وتحضّر ما يلزم للمعرض».
تُضيف رزق: «استغرق الأمر عدة أشهر، لكنه كان مُغرياً جداً للتنفيذ، فما بين سورية ولبنان أصعب من التوصيف، ومع وصول الفنانات وفي جعبتهن 45 عملاً فنياً مُنوعاً، أصبح المعرض المُنتظَر واقعاً جميلاً جداً، وترجمةً لمعنى التبادل الثقافي، وفرصة أيضاً للاطلاع على أعمالٍ تعكس مجتمعاً وبيئةً وثقافةً، نتشابه ونختلف معها ربما، لكننا نحتاج بالتأكيد لمعرفتها، ولن ينتهي الأمر هنا، فنحن نسعى لتطوير الفكرة، ربما تتم إعادتها مع تجمعٍ فنيٍّ آخر، ويُمكن أن يعرض فنانون سوريون في لبنان».
لم تقتصر الزيارة على إقامة المعرض، بل تعدته نحو المزيد، تقول رزق: «حاولنا أن تكون في خطتنا نشاطات أخرى، ولا سيما أن عدداً منهن لا يعرفن الكثير عن سورية، وبعضهن يزرنها أول مرة، وهناك من جئن سابقاً لشؤونٍ خاصة فلم يكن لديهن الوقت للتعرّف عليها عن قرب، فزرنا مدينتي معلولا وصيدنايا، وقمنا بجولة في دمشق القديمة، تحديداً الجامع الأموي وقصر العظم وخان أسعد باشا والحميدية، اخترنا معالم تاريخية غنية بالتفاصيل والجماليات».
في لبنان، أشرفت الفنانة أنس غندور على التحضيرات منذ البداية، تحكي لـ «تشرين» : «تواصلت مع فنانين وفنانات كثر، لكن الوضع الاقتصادي السيئ جداً، كان سبباً في رفض بعضهم، فتكاليف السفر والإقامة مُرهِقة بالنسبة للفنان اللبناني، كما كان التخوّف من الوضع الأمني سبباً لرفض آخرين أيضاً، لاحقا صار عليّ الاختيار من بين المشاركين، لأنني أردتُ أعمالاً مميزة ذات مستوى فني عال، وفي الوقت ذاته، رغبتُ في أن يكون المعرض للفنانات حصراً، كوننا قادمات من لبنان «ست الدنيا»، أردتُ مضموناً يُناسب العنوان».
اختارت غندور كما تشرح فناناتٍ من جميع الديانات والانتماءات والمناطق، وحرصت على تنوّع المدارس والأساليب الفنية، أما عن مشاركتها «3 لوحات»، تقول: «أرسم منذ خمسة عشر عاماً، لكنني لا أزال أعدّ نفسي هاوية، وفي الأصل أنا مُدرّسة لغة عربية، وحاصلة على ماجستير في الآثار، وهو المجال الذي أهتمّ به فنياً، تستهويني البيوت والشوارع القديمة، وهذا واحدٌ من الأسباب التي دفعتني للعرض في دمشق، واخترت أعمالاً تُضيء على المُشترك بين بلدينا، قدمتُ في لوحتي العمارة القديمة الموجودة في الريف الممتد بين لبنان وسورية، وفي لوحةٍ ثانية رسمت مشهداً لبيروت من البحر، تظهر فيه صخرة الروشة المعروفة، وفي العمل الثالث حارة قديمة من باب توما، فيها درج صغير وياسمينة ومداخل مُقنطرة».
الفنانة آمال قمهز، زارت سورية قبل أعوام، لكنها المرة الأولى التي تعرض فيها أعمالها، تقول عن تجربتها: «حصلتُ على دبلومٍ في الفنون، وبعد انقطاعٍ طويل، عدتُ إلى دراسة الماجستير، وكانت لهذه الخطوة نتائج انعكست في أسلوبي وإمكاناتي ومفهومي عن الفن والحداثة والتقنيات، وهو ما يظهر في أعمالي القائمة على دراسة وتجارب، استخدمتُ فيها قماش الفوال الشفاف مع مادة الريزين السائلة، والتي ساعدتني في الحصول على سطحٍ شفافٍ جامد».

اللافت في لوحات قمهز محاولة إيقاف الزمن عند لحظةٍ ما، والتي يُوحي بها السطح الكريستالي الصلب أو كما تُسميه القماش الذي يحمي الجسد ويسمح له بالاختباء من «تشرين»: «ما نعيشه مأساة اجتماعية عامة، ينبغي أن تحضر كل العناصر والمكوّنات للتعبير عنها، لتُشكّل وحدةً لا يُمكن فصل جزئياتها»، تُردف الفنانة: «عملت في فن الديكور الزخرفي، نحو 18 عاماً، تنقلت بين سورية ولبنان ودول الخليج، وفي تزيين الأسقف والجدران في القصور والمباني الضخمة، هذا العمل خدمني بأن أعطاني الجرأة للتجريب، ولأنني امتلكت في الوقت نفسه الأدوات والتقنية، فلم يعد عدم النجاح يُرعبني». من المشارِكات الفنانة مها أبو شقرا، وهي حاصلة على دبلوم وماجستير في الفنون، إضافةً إلى أنها مسؤولة قسم المعارض في وزارة الثقافة اللبنانية، وعضو في نقابة الفنانين، زارت جامعة دمشق مع زملائها في الجامعة اللبنانية عام 1996، وهذه هي زيارتها الثانية، تقول: « لم أتوجس أبداً حين عُرِضت عليّ الفكرة، كنت أدفع أي شعورٍ سلبي يُراودني، أردت التعرّف على سورية مُجدداً».
قدمت أبو شقرا عملين لا ينفصلان عن خطها الخاص الذي تعود فيه باستمرار إلى طفلةٍ صغيرة، عرفت مصادفةً أن الأب الذي تنتظره لن يعود، فتولدت عندها مشاعر من الغضب والحزن والقلق وعدم الأمان، تقول لـ «تشرين»: «هذه حكايتي، في أيام الخراب والحروب والأوبئة، يعود الفنان إلى مخزونه ووعيه الداخلي والجمعي، يبحث عما يمنحه الأمان والثقة، لهذا أخلقُ عالمي الخاص، وأعيش فيه رغم كل ما يجري، وفي لوحاتي يظهر خط الطفولة الفطري، في داخلي طفل صغير يرسم».
في أعمال أبو شقرا بساطةٌ غريبة، تذهب بالمُتفرج نحو سرٍّ ما، كأن مغامرةً ما في انتظاره، بين الأشجار والمنحنيات والخطوط السميكة والألوان المتناقضة، حيث لا تعني البساطة أو الانسيابية سهولةً أو أريحية، بقدر ما تتطلب رغبةً في الاكتشاف والتقبّل، وعلى حد تعبيرها، هذه هوية تُعرف بها، وتثق بأنها ستوصلها إلى حيث تُريد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار