ليست أولوية
لم تكن قبل نحو عقد ونيف من الزمن تلك المساحات الواسعة من الأراضي الزراعية المروية في ريف محافظة درعا الغربي إلّا حقولاً لأشجار الزيتون والخضراوات بشتى أنواعها، لكن ما باتت عليه الآن يثير الحفيظة فعلاً، إذ تحول الكثير منها إلى مزارع للرمان، وعلى ما يبدو أن غيرها سيلحق بالركب تباعاً.
إذا تناولنا المردود الدافع الرئيسي وراء الشراهة لزراعة الرمان، فهو لا شك مجدٍ جداً، وعلى سبيل المثال، فإن معظم المزارعين باعوا محصول الموسم الماضي وهو على الأشجار- في حال كانت في ذروة إنتاجها- بنحو ٢٠ مليون ليرة للدونم الواحد، وبالنسبة للتسويق فالظروف مؤاتية جداً، حيث يتم تصدير جزء كبير من الإنتاج فور القطاف، فيما تستجر وحدات الخزن والتبريد كميات أخرى ليست بقليلة لطرحها في غير موسمها بأسعار مجزية داخلياً وخارجياً.
لكن بالنظر إلى احتياجاتنا يطفو إلى السطح سؤال حيوي جداً: هل الرمان من المحاصيل الضرورية لأمننا الغذائي؟ والإجابة لا شك حاضرة في أذهان الجميع، وهي أن مثل هذا المحصول ليس مهماً أو رئيسياً لموائدنا، والمتعارف عليه في الماضي أن الرمان كان يزرع على الأغلب كسياج للمزارع وحدائق البيوت الريفية أو على سفوح الوديان المحجرة.
يرى متابعون للشأن الزراعي أن الرمان خيار غير صحيح أو مجدٍ على المدى البعيد، لأن أشجاره غير معمرة وبعد مرور نحو ١٥ أو ٢٠ سنة على أبعد تقدير يتحتم قلعها واستبدالها، بينما يبقى الخيار الأفضل هو أشجار الزيتون المعمرة، والتي تحتاج إلى تكاليف أقل نوعاً ما، كذلك لا تتطلب مصدر ري دائماً كالرمان، ناهيك بأن أسعار ثمارها وزيتها باتت مجزية مؤخراً، وبالتوازي لا تقل أهمية أيضاً محاصيل الخضار الرئيسة، وفي مقدمتها البطاطا.
نعلم أنه ضمن الظروف الراهنة لا مجال لكبح تمدد زراعة الرمان من الجهات المعنية، لكن المأمول التوعية بضرورة تغليب المصلحة العامة على الخاصة، إذ لا يعقل أن نزرع محاصيل تستنزف كميات كبيرة من مواردنا المائية وتستغل جلّ مساحاتنا الخصبة وهي ليست أولوية في تشكيلة غذائنا الأساسية، والأجدى توظيفها في محاصيل نحتاجها للقمة عيشنا وأبنائنا، وخاصةً تلك التي أحدثت– مؤخراً- خللاً في توازن تواجدها في الأسواق على مدار العام وحلّقت بأسعارها حتى استعصت على الفقراء، وخير مثال عليها البطاطا والثوم والبصل.