خبير اقتصادي يقترح الانتقال من برامج الدعم المتفرقة إلى الاستراتيجية الوطنية للدعم التي تشكل الطريقة المثلى
دمشق– ماجد مخيبر:
هل تجدي نفعاً سياسات وبرامج الدعم المتبعة حالياً في ظل عدم الاستقرار الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني، إضافة إلى ارتفاع معدل التضخم بنسب كبيرة، كما إن الشرائح المحتاجة للدعم هي في حالة تزايد من عام الى آخر.
تلك التساؤلات وغيرها توجهنا بها الى الدكتور هيثم عيسى أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، حيث أوضح أنه لا يمكن مطلقاً الاستغناء عن الدعم الحكومي دفعةً واحدة، حتى لو اكتشفنا وجود خلل وخطأ في تطبيقه، أو إنه ليس في المستوى المطلوب من النفع والفعالية، فعدم الاستقرار الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم وغيرها من العوامل التي تحد من فعالية الدعم الحكومي تدفعنا نحو إصلاح برامجه وتوجيهها بالشكل الصحيح وليس نحو التخلي غير المدروس عنه.
عيسى أوضح أن اتباع الدعم الشمولي في سورية لما يزيد على نصف قرن أدى إلى تراكم كثير من الأخطاء والسلبيات التي تجعل من استمراره كما هو عليه حالياً مشكلة تتدحرج في حجمها كما كرة الثلج، وليس الخطر أقل إذا توقفنا عنه بسرعة.
الخطأ في التطبيق سابقاً يجب ألّا يكون مسوغاً لخطأ وقف الدعم الآن أو في أي وقت من دون دراسة وخطة دقيقة، كما يجب الانتقال من برامج الدعم المتفرقة الى الاستراتيجية الوطنية للدعم التي تشكل الطريقة المثلى، وإذا أردنا حصر مجالات التدخّل الحكومي لتقديم الدعم في سورية سنجد صعوبة كبيرة في حصرها، وقد يكون حصر المجالات التي لا تدعمها الحكومة أسهل!!. فلننظر مثلاً للجوانب التي تحصل على الدعم (الصحة، التعليم في جميع مراحله حتى مرحلة الدكتوراه في الجامعات!!، الكهرباء، المحروقات، الزراعة بشقيها؛ النباتي والحيواني، الصناعة، الصادرات، الماء، الدقيق والخبز، الدعم التمويني، بعض المستوردات…)
وتساءل عيسى هل توجد أهداف لتقديم الدعم.. ويتم التأكد سنوياً أو مرحلياً من تحققها، وهل توجد خطة واضحة المعالم وشفافة تنظم عمليات الدعم في جميع الجوانب المذكورة أعلاه؟ ألا يمكن أن تحصل فئات على الدعم من أكثر من جانب، بينما تحصل فئات أخرى على الدعم من جانب واحد فقط؟ هل توجد أهداف لتقديم الدعم في جوانبه المختلفة، ويتم التأكد سنوياً أو مرحلياً من تحقق تلك الأهداف؟ ألا يمكن للفوضى وعدم الدقة وغياب الأرقام والبيانات الرسمية أن تُخفي وراءها فساداً واستغلالاً للدعم أو لأجزاء منه؟
كما تساءل أستاذ الاقتصاد هل توجد دراسة أو مقاربة حكومية لحجم الدعم المرصود مقارنةً بحجم الدعم الذي يصل إلى المواطنين؟ هل هو الحجم نفسه؟، أم يضيع قسم منه قبل أن يصل إلى من يستحقه؟ هل يؤدي الدعم في جوانب عديدة منه إلى تشويه الأسواق وخيارات الأفراد وقراراتهم نحو الأسوأ؟ (مثلاً: ألا يؤدي دعم الأرز إلى تبني الأفراد هذه الأكلة على حساب غيرها؟ أليس من الأفضل دعم الأسر بشراء ليتر زيت زيتون (منتج محلياً) بدلاً من ليتر زيت قلي (مستورد)؟
ألا يؤدي دعم التعليم العالي إلى تخفيض تكلفته كثيراً، ما يشجع من لا يرغب كثيراً بهذا التعليم أو لا يمتلك مؤهلاته على التسجيل في الجامعة والدراسة فيها لحصول على شهادة كبرستيج اجتماعي وفي حال لم ينجح لن يخسر كثيراً؟ …… إلخ).
ركائز أساسية
كما يشير الباحث الاقتصادي إلى أن تجزئة الدعم عبر برامج غير مرتبطة ببعضها غير دقيقة وقد لا تؤدي الغاية المرجوة منها، ومن الأفضل وضع إستراتيجية كلية مثلى للدعم تستند إلى ركائز أساسية؛ أولها: أن تكون جزءاً من إستراتيجية وطنية لتحسين مستوى المعيشة عبر رفع مستويات الدخل (الأجور والرواتب) تدريجياً وبشكلٍ مدروس يعتمد على دراسات علمية دقيقة لتكاليف المعيشة، و ثانياً: أن تكون مبنية على فهم دقيق وصحيح ومتجدد للواقع وهذا يعني جمع بيانات دقيقة عن الأفراد والأسر وغيرها من الفئات أو القطاعات المطلوب دعمها وتحديث ومراجعة هذه البيانات دورياً، وثالثاً: أن تكون تلك الإستراتيجية مؤقتة في أغلبية جوانب الدعم باستثناء الجوانب التي لا يمكن معالجتها عبر تحسين الرواتب والأجور، وتنحصر هذه الجوانب بالدرجة الأولى بالزراعة كقطاع اقتصادي والفئات الاجتماعية غير القادرة اقتصادياً على إعالة نفسها مثل المسنين وفئات محددة من المرضى وأسر الشهداء وجرحى الحرب.