“الزند ذئب العاصي”… دراما مُبشِّرة عن ثائرٍ خَابَت الآمالُ فيه 

تشرين- لبنى شاكر: 

إذا كان يُفترض بالنهاية أن تكون مُتسقة مع البداية، بمعنى أن تسير الأحداث باتجاهها من دون انحرافٍ مُبَرر، فما انتهى إليه مسلسل “الزند ذئب العاصي” للمخرج سامر البرقاوي والكاتب عمر أبو سعدة، مُتوقعٌ أو أصبح مُتوقعاً في حلقاته الأخيرة؛ رغم ضعفٍ في الحبكة ظَهَرَ على هيئة مشاهد مُقحمة خارجة عن السياق العام، وضعفٍ مُوازٍ أيضاً في ردّات فعل “عاصي” الشخصية الرئيسة أمام الآخرين الذين خابت آمالهم فيها، بدءاً من رفاقه خليل وصالح، مروراً بزوجته نجاة، حتى إن “عاصي” لا يجد ردّاً على سيلٍ من اتهامات صديقه “صالح” سوى جملة “بشو قصرت معك”، كذلك لا يجد ما يقوله أمام هجوم نجاة واتهامها له بالتواطؤ مع الإنكليزي سوى الصمت، ولا يجد أيضاً ما يُدافع به عن نفسه ويُبرر سرقة بنك السلطنة العثمانية ومن ثم المساومة على محتوياته للاستيلاء على أراضي الفلاحين، فيلجأ إلى قتل صديقه “خليل” قبل أن يشهد ضده.

التحوّل من الثائر المدعوم شعبياً إلى باشا آخر، يُعيد توزيع الأراضي واقتسام الأموال والمصائر بما يضمن ثراءه وتوطيد حكمه، كان يحتاج وضوحاً أكثر أو انتقالاً مُتأنياً، لا تبدو فيه الشخصية كأنها تخلّت عما تعهّدت به ضمنياً لِمن آمن بها، إنما وجدت نفسها أمام فرصةٍ لا تُعوّض، للانتقال إلى مُستوىً آخر في صراع الوجود، ولأنها صنعت فرصتها بيدها ونجحت في خلخلة واقعٍ استسلم له البقية طويلاً، فهي جديرة بهذا الواقع الجديد، بما في ذلك استبدال البيت المُتواضع بقصرٍ مُبهر، أجل البطل الذي بدأ ثائراً ضد الإقطاع والمُحتل، ليس معنياً بالدفاع عن الآخرين حتى النهاية، هذا ما ظهر أكثر من مرة على لسان “عاصي” حين يقول مثلاً في نقاشٍ مع رفيقه “خليل” على اقتسام الغنائم، بأنّ الجوع لا يقتل الناس بل الضعف وحده من يفعل ذلك، إذاً “عاصي” بطلٌ يرفض أن يكون مغبوناً في سبيل الآخر المُستكين، لذلك لا ضير في تحصيل منافع خاصة، تنبأ بها الثائر الطوباوي “خليل”، وهو النموذج الذي يبحث عنه الجمهور عادةً لإقناع أنفسهم بانتصار المُثل والمبادئ في معارك الحياة، غير أن ما يحدث غالباً هو العكس، يقول في حديثٍ مع نجاة “قريباً ستجدين نفسك زوجة لباشا جديد”.

اللافت في العمل.. الحكاية المُفترضة في زمانٍ ومكانٍ مُحددين، وما ستكون له أصداء في المشهد الدرامي مع الزمن، فكرتان، الأولى إعادة التفكير في الأعمال القائمة على البطولة الواحدة، بعد أن نجح المسلسل في توجيه الأنظار نحو نجوم شباب وآخرين أصحاب خبرة، كانوا مُغيبين عن الساحة، وهو ما فعلته الدراما المصرية سابقاً، أما الفكرة الثانية فهي حضور لهجة ثالثة درامياً إلى جانب اللهجة السورية البيضاء والحلبية، مع بحثٍ مُختلف إن صح التعبير في تصدير قضايا البيئات الداخلية خارج نطاق المُتابعة المحليّة، ليكون لدينا مُجدداً ما نقدمه للمُتابع العربي، بعد إمعانٍ في تصدير المُكرر من دراما البيئة الشامية، والتي لم يستطع صنّاع الدراما إلى اليوم إعادة توجيه الأنظار إليها، في أعمالٍ ترقى لزمنها الذهبي، في وقتٍ يتصاعد فيه الاهتمام بدراما لبنانية وخليجية، ربما تكون مُنافِسة بعد أعوام، عدا عن اشتغالٍ وتنوّعٍ حقيقي تُقدمه نظيرتها المصرية، ولا سيما فيما يُسمى دراما الواقع، لم نُقدّم فيها إلى الآن سوى حكاياتٍ تفتعل التشويق ولا تصنعه، ليكون مصيرها النسيان دون أن تنجح حتى في إعادة الأسئلة وإثارة النقاشات التي تُسمع في “السرافيس” والمقاهي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار