سبعة وسبعون عاماً على إشراقة شمس الجلاء.. ملاحم بطولية نسترجع ذكرياتها في هذه المناسبة
تشرين- طلال الكفيري:
لا يزال شريط البطولات الأسطورية والملاحم التي سطرها أبطال الثورة السورية الكبرى على امتداد ساحة الوطن في مقارعة الاستعمار الفرنسي مخزناً في ذاكرة السوريين بمختلف أطيافهم، يسترجعونه في عيد الجلاء التي أشرقت شمسه في السابع عشر من نيسان عام ١٩٤٦
فمثلما دحر آباؤنا وأجدادنا المستعمر الفرنسي عن أرض الوطن وكتبوا نصرهم المؤزر بمداد دمائهم الزكية، ها هم بواسل الجيش العربي السوري أحفاد صانعي الاستقلال يسيرون على خطا آبائهم وأجدادهم التي رسموها لهم، محققين انتصاراتهم على العصابات الإرهابية المسلحة التي عاثت فساداً في الأراضي السورية، ليضيفوا إلى سجل انتصارات الآباء والأجداد السابقة انتصاراً جديداً
ففي هذا اليوم المبارك التي يصادف فيه ذكرى الجلاء، لا بد لنا أن نستحضر روح الجلاء وإحياء قيمه النبيلة ومعانيه السامية، فالدفاع عن حدود الوطن وتقديم الأرواح رخيصة كرمى لعيون سورية ليس وليد اليوم فروح المقاومة والاستبسال التي ولدت في أجساد آبائنا وأجدادنا ها هي تعود لتحيا من جديد بروح الأبناء والأحفاد وليقولوا للعالم أجمع إن طريق الشهادة مطلب متوارث جيلاً بعد جيل.
وفي هذه المناسبة الغالية على قلوبنا لا بد لنا من أن نستذكر بعضاً من الملاحم البطولية الخالدة التي سطرها أجدادنا دفاعاً عن أرض الوطن.
إذ يقول الباحث معين العماطوري لـ(تشرين): إن شرارة المعارك الأولى لمجاهدي ثوار جبل العرب انطلقت من بلدة الكفر بقيادة المجاهد الكبير سلطان الأطرش، وذلك عندما قامت القوات الفرنسية بتاريخ 20/7/1925 بتجهيز حملة عسكرية يبلغ قوامها نحو ٢٠٠ جندي وضابط مجهزين بأحدث أنواع الأسلحة حينها، حيث كان هدف الحملة الاستعمارية دخول مدينة السويداء واحتلالها، إذ تمركز جنود الاستعمار الفرنسي عند نبع الكفر، وقد علم الثوار بقدوم هذه الحملة العدوانية فقاموا بإرسال مبعوث من بلدة الكفر، لينذر الجنود بالانسحاب، لكن قائد الحملة نورمان لم يستجب لمطلب الثوار وقال للمبعوث: اذهب وقل لسلطان الأطرش إننا بانتظاره وبعد أن وصل رد قائد الحملة الفرنسية إلى سلطان الأطرش عندها قرر الثوار مهاجمة الحملة الفرنسية، حيث كانت خطة سلطان باشا تقسيم الثوار إلى ثلاث مفارز: مفرزة مشاة- ومفرزتي فرسان، حيث تم تحديد مهمة مفرزة المشاة بالاقتراب ما أمكن من الناحية الجنوبية الغربية للمعسكر.. بينما أعطيت الأوامر لمفرزتي الفرسان لمهاجمة المخيم من الشمال الشرقي وفعلاً عند الساعة الثانية من بعد ظهر 21/7/1925 انقض الثوار على الحملة ودارت معركة كبيرة بين الثوار من جهة والقوات الفرنسية من جهة أخرى.
ويضيف العماطوري، لم تدم هذه المعركة أكثر من نصف ساعة استطاع من خلالها الثوار إبادة الحملة بأكملها وقد سقط قائدها نورمان على أيدي الثوار ولم ينجُ من الحملة سوى 5 جنود، وقد قدم الثوار في هذه المعركة نحو 54 شهيداً.
وتابع العماطوري: بعد الانتصار الأسطوري الذي حققه الثوار في معركة الكفر كانت معركة المزرعة، هذه المعركة التي قال عنها الجنرال الفرنسي أندريا في حينها إنها كانت كارثة للفرنسيين.
الانتصار البطولي الذي حققه الثوار في معركة الكفر دفع قوات الاستعمار الفرنسي لتجهيز حملة استعمارية أخرى بقيادة الجنرال ميشو لاحتلال مدينة السويداء وفك الحصار عن الحامية الفرنسية المحاصرة من الثوار في قلعة السويداء، حسب ما يروي العماطوري، وقد بدأت هذه الحملة بالتقدم نحو مدينة السويداء من جهة الغرب، إذ وقعت في البداية اشتباكات ما بين الجنود الفرنسيين المدججين بالمدفعية والأسلحة الرشاشة والثوار الذين لا يملكون سوى بعض البنادق والبلطات والأسلحة البيضاء، حيث تم استدراج الثوار إلى كمين أعده لهم الجنرال ميشو، حيث استشهد في وقتها العشرات من أبناء جبل العرب ما دفع بالمناضلين للانسحاب والتمركز عند نبع المزرعة ليتابع الجنرال ميشو السير إلى النبع فاصلاً بين مقدمة حملته ومؤخرتها، إذ استغل الثوار هذه الفرصة وقاموا بالانقضاض على مؤخرة الحملة وفي الثالث من آب عام 1925 زحف الثوار بقيادة سلطان الأطرش واستطاعوا الوصول إلى نبع المزرعة، حيث قاموا بتطويق الحملة الفرنسية ومن ثم قاموا بمهاجمة الجنود الفرنسيين وبدأت معركة حامية وقوية، إذ التحم فيها الثوار مع الجنود الفرنسيين بالسلاح الأبيض واستطاعوا بعزيمتهم القوية إبطال مفعول المدفعية والدبابات، حيث استطاعوا تقطيع أوصال الغزاة وتكبيدهم خسائر فادحة ولا سيما بعد أن اندثرت الحملة وتبعثرت أشلاء جنودها هنا وهناك، ودمرت آلياتها الثقيلة.