تبقى مشكلة القطاع الاقتصادي غير المنظم أو ما اعتدنا على تسميته باقتصاد الظل العائق الأكبر أمام تنفيذ الخطط الاقتصادية والاجتماعية، لما يشكله من نسبة كبيرة من اقتصادنا اختلف على حجمها الجميع من مسؤولين وأكاديميين لتتراوح بين ٧٠ و٨٥%، لذلك فإن أي قرار اقتصادي يتخذ سيشوبه الخلل لعدم اعتماده على أرقام دقيقة يظللها الروتين في الجهات المعنية والفساد والانتهازية من قبل غالبية قطاعنا الخاص، وهذا سبب كبير في المشكلات التي نعاني منها جميعاً، حكومة ومنتجين ومستهلكين.
فالجهات الحكومية تعاني في آليات اتخاذ القرارات لعدم وضوح الرؤية وغياب الأرقام والإحصائيات الدقيقة، فلا تستطيع تأمين الإيرادات والرسوم المستحقة على هذا القطاع، ولن تتمكن من دعم صناعة أو حرفة معينة سواء لتلبية احتياجات السوق المحلية أو زيادة الصادرات، وحكماً فإن محاولات هيكلة الدعم للمواطنين لن تحقق مبتغاها في إيصاله إلى مستحقيه.
اما المنتجون فسيبقى إنتاجهم وأسلوب عملهم بعيداً عن التطوير ومجاراة التغيرات في الأسواق المحلية والخارجية، بسبب خوفهم من انكشاف حجم أعمالهم وطمعهم في تحقيق مكاسب آنية، وارتفاع جزء من تكاليفها في ظل أزمة حوامل الطاقة وعدم قدرتهم على تأمينها بالأسعار المدعومة أو التشجيعية.
أما المواطن فهو العامل في هذا القطاع الذي لا يمتلك حقوقاً تكفلها له الأنظمة والقوانين، وهو المستهلك الذي يعاني من عشوائية التسعير والعجز عن التحديد الدقيق للتكاليف وغياب الفواتير النظامية التي أصبحت الفيصل في ضبط الأسواق.
محاولات متكررة بذلت سابقاً في سبيل تنظيم اقتصاد الظل والتخفيف من سواده لم يكتب لها النجاح بسبب تشتت الجهود وعدم التنسيق بين مختلف الجهات المعنية حكومية ونقابية وأهلية، ما أفقد القوانين جدواها وأفشل كل المغريات والعروض المقدمة لأصحاب المنشآت ليعملوا في النور.
ما نحتاجه اليوم هو التنسيق بين الجميع من دون استثناء للوصول إلى تركيبة اقتصادية عصرية، فما هو المانع من إنشاء بنك معلومات يمكننا من حصر النشاطات القائمة في اقتصادنا وإلزامها بالمرور ضمن مسارات رسمية تحت رقابة الجهات المعنية في جميع مراحل الإنتاج والتسويق والتوظيف وحتى الأنشطة الاجتماعية والصحية؟، وهذا ليس مستحيلاً أو صعباً لأنه مطبق في معظم دول العالم ويمكن الاستفادة منه وتطبيقه بما يخدم خصوصية اقتصادنا.
إن العشوائية في أغلب مكونات اقتصادنا لن تكون مجدية في هذه المرحلة التي تتطلب تعاون الجميع طوعاً أو قسراً، لأننا بحاجة إلى تجميع كامل الجهود والإمكانيات وتوجيهها بشكل صحيح إلى تحقيق المصلحة العامة وتنفيذ عمليات إعادة الإعمار والحد من المشكلات المعيشية.
باسم المحمد
70 المشاركات