الأزمات الاقتصادية العالمية بين إدارتها أو زيادتها.. والبجعة السوداء
تعرض ويتعرض الاقتصاد العالمي حالياً إلى أزمات كبيرة متجددة من تلقاء ذاتها وستزداد تداعياتها السلبية مستقبلاً، وقد تكون أقسى من أزمات الكساد الكبير وإفلاس البنوك العربية والأزمة الغذائية وأزمة جائحة كورونا سنوات /1929و و2008و 2016و2020 / وغيرها ، وتشهد سنة /2023 / عدة أزمات اقتصادية متداخلة مع بعضها البعض وتتفاعل فيها العوامل
( الاقتصادية مع السياسية مع الاجتماعية مع الأمنية) ونذكر أهمها [ الحرب الروسية الناتوية وأزمة الغذاء حيث إن روسيا وأوكرانيا تصدران من إجمالي الصادرات العالمية بحدود /30%/من القمح و/ 20 %من الذرة وبين/ 75 % و80 %/ من زيت عباد الشمس -ارتفاع معدلات التضخم – تراجع معدلات النمو الاقتصادية وزيادة مستويات الفقر والبطالة والركود التضخمي وبؤر التوتر والصراع والاحتجاجات الاجتماعية – أزمة الطاقة و أسعار حواملها وأزمة البيئة والمناخ – أزمة ارتفاع أسعار الفائدة ولا سيما من قبل البنك الفيدرالي الأميركي وتراجع الاستثمارات – الحرب التجارية بين الصين والدول الغربية – زيادة المديونية العالمية والديون المشكوك في تحصيلها والديون المعدومة – تراجع مستوى التجارة الخارجية العالمية وسلاسل التوريد وقيم الأسهم – إفلاس كثير من البنوك العالمية وزيادة المخاطر المالية والنقدية وعمل البورصات – زيادة مستوى التهديد بين الكوريتين الشمالية والجنوبية – زيادة الإرهاب الاقتصادي الأمريكي الأوروبي وحدة الصراع بين الدول الصناعية في مجالات حيوية وخاصة الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والرقاقات الإلكترونية- تزايد التهديدات الأمنية والقوى الإرهابية ..إلخ ] ،وأمام هذه التهديدات حذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأسبق ( ألان جر ينسبان ) وهو من أشهر الماليين في العالم بقوله: ( إنه يوجد الكثير من المخاطر التي تتربص بالاقتصاد العالمي سنة/ 2023/، والاقتصاد العالمي يشهد تحولات كبيرة تؤكد فشل الأيديولوجيا الاقتصادية الغربية ومنها نظرية (آدم سميث Adam Smith) في كتابه ( ثروة الأمم The Wealth of Nations) وخاصة رؤيته حول (اليد الخفية Invisible hand) في القرن الثامن عشر /18/ أي إن العالم الرأسمالي يتجاوز مشاكله من تلقاء نفسه، إضافة إلى رؤى اقتصادية غربية أخرى وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي سنة /1990/ ومنها مثلا كتاب (نهاية التاريخ ) للباحث الأمريكي ذي الأصل الياباني ( فرنسيس فوكو ياما ) سنة/1992/ وكتاب (صراع الحضارات) للكاتب
(صموئيل هنتنجتون) سنة /1993/ واللذين بشرا بأبدية وخلود النظام الإمبريالي، ولكن مما يجري الآن على الساحة العالمية من أزمات اقتصادية نجد أن رؤية
(البجعة السوداء Black swan theory) قد عادت تطرح نفسها بقوة، وجوهر الرؤية يتجسد في صعوبة التنبؤ بالأحداث المفاجئة وفقا للرؤية الغربية التي كانت سائدة منذ القرن السابع عشر /17/ ومنطلقها أن كل البجع لونه أبيض، أي إن وجود (بجعات سوداء ) نادر جدا ولكن بطلت هذه الرؤية عندما تم اكتشاف البجع الأسود في أستراليا في القرن الثامن عشر، وهذه الأحداث تؤكد صحة قول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بقوله: (دوام الحال من المحال)، فهل ستستمر هذه الأزمات لأنها من فعل فاعل أم سيتم وضع حلول لها لتوقيف توسع تداعياتها السلبية ؟!
برأينا أن هذا يتوقف على كيفية التعامل مع الأزمات، فهل تتم ( إدارة الازمات ) أم ( الإدارة بالأزمات )؟!، والفارق بين المصطلحين كبير جدا بل يمكن القول إنهما أسلوبان متعاكسان، وبشكل مختصر يمكن القول إن إدارة الأزمات تعني اتخاذ إجراءات علمية عملية ومن قبل اقتصاديين متخصصين لمواجهتها وتحويل تداعياتها الكارثية إلى إيجابيات أي تحويلها من محنة إلى منحة حسب التعريف الصيني للأزمة، ويتم هذا بالاعتماد على الخبرة والمعرفة والنوايا الحسنة وباستخدام ( التخطيط والتنظيم والرقابة ودراسة التغذية المرتدة والابتعاد عن العشوائية والارتجالية) ، أما الإدارة بالأزمة فإنها تعني إيجاد الأزمات وتأزيمها لتنشأ أزمات جديدة بهدف تحقيق مصالح وغايات شخصية على حساب الآخرين، كما حصل في الفوضى الخلاقة وما يدعى “الربيع العربي” ، ومن ثم يتم تفعيل العوامل الداخلية والخارجية منها لزيادة تداعياتها السلبية مستقبلا على حساب الشعوب الأخرى بما يذكرنا بشاعرنا ( المتنبي ) عندما قال :
بذا قضَتِ الأيّامُ ما بَينَ أهْلِهَا
مَصائِبُ قَوْمٍ عِندَ قَوْمٍ فَوَائِدُ.
فهل يستمر العالم في تجيير الأزمات والأزمة ككرة الثلج أو النار كلما تدحرجت كبرت، هذا ما نتوقعه ولكن لا نتمناه.