رشا هشام شربتجي ابنةُ أبيها وعرّابة الدراما السوريّة الجديدة
تشرين- سامر الشغري:
أحببناها لرشا هشام شربتجي أم كرهناها، فإنها ابنة أبيها بحق، وكما كان هو عرّاب باقة من نجوم الدراما وكلمة السر وراء العديد من الأعمال الناجحة والخالدة، فإن رشا تشق الطريق ذاتها ولكن بأسلوبها وبرؤيتها.
ومن الحري بنا استعراض مسيرة هذه المخرجة التي لمعت سورياً وعربياً قبل أن نصل لتحليل تجربتها الإخراجية، مع بعض الدخول لحياتها الخاصة، لقد كانت بداية تعرفي عليها نهاية تسعينيات القرن الماضي، حيث زرت والدها المخرج المبدع هشام شربتجي أكثر من مرة في بيته بغرض إجراء حوار صحفي، وكانت هي موجودة دائماً وشعرت بأنها شغلت عنده مكانة الابنة المدللة والأم الحنون، فكانت تلبي عن طيب خاطر كل طلباته، ولا أنسى تلك الصورة التي زينت صدر مكتبته، وهما يحتضنان بعضهما في حب.
خطت رشا في سن صغيرة أولى خطواتها في عالم الإخراج، لقد جاء بها والدها إلى اللوكيشن لتعمل مساعدة مخرج، وهي لا تزال في الثانية والعشرين، ومن المؤكد أنها لولا لم تكن ابنة شيخ المخرجين لما تأتى لها ذلك، ولكنها كانت تلميذة نجيبة في مدرسة أستاذ كبير.
كان مسلسل «عيلة سبع نجوم» إطلالتها الأولى كمساعدة مخرج سنة 1997، وبعده عملت معه مخرجاً منفذاً، في أعمال «عيلة 8 نجوم» و«بطل من هذا الزمان» و«إنت عمري» و«أسرار المدينة» و«مبروك» و«صراع الزمن» و«بنات أكريكوز»، وخلال تلك الفترة أخرجت عملها الأول «قانون ولكن»، غير أن بصمات والدها كانت واضحة عليه، كما أنه علق بصوته على أحداثه بمثابة الراوي.
العمل الثاني لرشا «خمسة وخميسة» ظهر أيضاً تأثرها بوالدها، مذكراً بأسلوبه في الكوميديا، لتبدأ وهي في الثلاثين من عمرها خط أسلوبها الخاص مع عملها الثالث «أشواك ناعمة» إنتاج 2005، إذ ابتعدت عن ظل أبيها، وصنعت عملاً جديداً لم تعهده الدراما السورية ولا يزال يستعاد ويتابعه الجمهور.
في العام التالي كانت رشا تخبئ مفاجأتها الأولى مع المسلسل الذي ظل واحداً من أجرأ أعمال الدراما السورية وإثارتها للجدل وهو «غزلان في غابة الذئاب»، والذي دخلت من خلاله ملعباً لم يسبق لوالدها ولا لغيره من المخرجين اللعب فيه، وهو النقد السياسي والتوصيف المباشر، رغم ما قيل عن توظيف العمل في التحولات التي كانت تشهدها البلاد تلك الفترة.
لاحقاً أخرجت رشا سلسلة أعمال حققت نجاحات متباينة ولعل أكثرها نجاحاً : «زمن العار»، وفيه ظهر بقوة الاتجاه الذي سيميز تجربتها بإسناد أدوار مغايرة للممثلين عن التي اعتادها الجمهور سابقاً كشخصية جميل التي لعبها تيم حسن.
ولأن نصف رشا الثاني من أرض الكنانة فهي من مواليد القاهرة وأمها مصرية، كان حلمها الثاني أن تجرب الإخراج هنالك، وتحقق لها ذلك سنة 2007 إذ لفتت نجاحاتها في الدراما السورية أنظار صناع الفن المصري إليها، فأخرجت «أولاد الليل» الذي كان بمثابة البوابة التي أدخلتها عقر دار هوليوود الشرق، ما جعل أحد أكبر نجوم الفن في مصر، وهو يحيى الفخراني يدعوها لتخرج له عمله شرف فتح الباب، ثم دعاها لأن تخرج له مسلسله «ابن الأرندلي»، وهي سابقة عند الفخراني، إذ قلما يعمل مع المخرج ذاته أكثر من عمل.
وعندما رجعت رشا من رحلتها في بلاد النيل قدمت لدراما بلادها مسلسلاً إشكالياً حاز ثناء النقاد وإعجاب الجمهور هو «تخت شرقي»، ثم خاضت تحدياً أكد جرأتها من خلال إخراج مسلسل «أسعد الوراق» إحدى أيقونات الفن السوري الخالدة، وصعوبة هذا العمل في أن المشاهد سيقارن بين النسختين الجديدة والأصلية التي أخرجها علاء الدين كوكش، ومجدداً أسندت لتيم حسن بطولة العمل في دور جديد وغير مألوف لهذا النجم.
ولع رشا بالدراما الإشكالية جعلها تقدم على إخراج عمل لا يزال يثير الجدل ما بين مؤيد ومعارض هو «الولادة من الخاصرة»، لقد تجاوزت من خلال جزئه الأول والثاني كل الخطوط الحمراء، وأخذ الناس يتساءلون: من قصدت بشخصيات مثل المقدم «رؤوف» و«أبو نبال»، وهل هي شخصيات حقيقية فعلاً؟.
نجاح رشا امتد أيضاً إلى الأعمال المشتركة التي حققت فيها نجاحاً فاق من اشتغل بهذا النمط من الدراما مع مسلسلي «سمرا» و«علاقات خاصة»، وتقول عن تلك التجربة إنها سعت لإيجاد مبرر درامي لوجود شخصيات من أقطار مختلفة في بيئة العمل، وهو المطب الذي طالما وقعت فيه هذه الأعمال.
ومن اللافت أنه كلما مضت رشا في تجربتها الإخراجية زاد لديها حس المغامرة والتجريب والجرأة وتجسيد الشخصيات بصورة مركبة وغير نمطية، وسعيها الدؤوب لأن تخرج من الممثل طاقات لم يعهدها هو في نفسه، كما صرح بذلك الممثل المصري أحمد زاهر، وأستذكر من هذه الشخصيات شوق وأم خضر اللتين لعبتاهما نسرين طافش ولينا حوارنة في «شوق» وسامر التي أداها يزن السيد في «كسر عضم»، والشيخ مالك رجل الدين لعباس النوري في «مربى العز». وليس اللافت في مسيرة رشا الإخراجية الكم – رغم أنه يصل إلى ثلاثين عملاً على مدى عشرين سنة فقط – بل إن اللافت حقاً هو قدرة هذه المخرجة على صناعة أعمال في بيئات عربية مختلفة، يتباين معها الشرط الإنتاجي والفني، وتحقيق مستوى في هذه الأعمال يرضي الجمهور والنقاد في آن، فتبوأت مكانتها في طليعة المخرجات العربيات، ونافست المخرجين على المراكز الأولى، وغدت بحق ثروة للدراما السورية يجب الحفاظ عليها واستثمارها لأقصى حد.