شاراتُ الأعمال الدراميّة… متعةُ الموسيقا والسينما!

تشرين- جواد ديوب:
ينجدِلُ خيطا متعةٍ رهيفان في شارات المسلسلات الدرامية السورية، فيجعلان المشاهدين أمام نُتفٍ من الجمال على شكل شرائط سينمائية تَختصِرُ حكايةَ المسلسل ببلاغة الإيجاز، كما لو أن الشارةَ تصبحُ علامةً فارقةً تلتصقُ بجدران الذاكرة الجمعية إلى الأبد!
الخيط الأول هو موسيقا الشارات التي أبدع في كثير منها مؤلفون موسيقيون سوريون عرفوا -بخبرة صائغٍ دمشقيٍّ- كيف يزركشون شارات البداية والنهاية، سواء بموسيقا من تأليفهم أو بإعادة صياغة كنوزٍ من الفولكلور الموسيقي السوري.
إذ كيف يمكن أن نتجاهلَ ما اشتغل عليه الموسيقيّ الشاب «آري جان سرحان» في «تترات» مسلسل «الزند» مِن مُلاءمةٍ لعتابا سوريّة لها في وجدان الكثيرين أثرُ الملح على الجرح، حين قام بتطعيمها بـ«حلياتٍ»هارمونيّة «مُعاصِرة» لجملٍ موسيقية ومقاماتٍ صدحتْ بها حناجرُ مغنّي العتابا عبر أجيال طويلة من القهر والفقر والظلم التاريخي!
وهل ننسى مثلاً شارات مسلسلات مثل «أحلام كبيرة» (كلمات الشاعر نزيه أبو عفش) و«التغريبة الفلسطينية» (كلمات الشاعر إبراهيم طوقان)، و«ضيعة ضايعة»… وثلاثتُها من إبداع المايسترو طاهر مامللي! أو شارة مسلسل «الخوالي» و«باب الحارة الجزء الأول» وهما من تلحين سعد الحسيني… وقد أصبحت معظم تلك الشارات، في زمنِ عرضها وبقدرة السِّحر الموسيقي وقوّة الكلمات والمخزون الحكائيّ فيها… أصبحت من محفوظات الجمهور السوري والعربي كما لو أنها أغانٍ متكاملة مستقلة، يرددها الناس وبعضهم يضعها كنغمةٍ للموبايل أو حتى في «فلاشات» السرافيس والسيارات!
جزئيةٌ مهمةٌ إضافيةٌ تندغمُ مع الخيط الأول ألا وهي أنّ الشارات الدرامية أصبحت مسرحاً لتنافس مغنّين نجوم أو أصبحت نقطةً جاذبةً لهم ليغنّوها مستمتعين بها وجاعلين منها قيمةً مضافةً للعمل الدرامي ولمسيرتهم الغنائية ذاتها، نذكر مثلاً: معين شريف في «دقيقة صمت» (كلمات علي المولى وألحان صلاح الكردي)، وملحم زين في «أهل الراية» ألحان هيثم زياد، وآدم في «تخت شرقي» (كلمات راميا بدور وألحان رضوان نصري)، وفي «عناية مشددة» كلمات أدهم مرشد وألحان رضوان نصري… وغيرهم الكثير!
وهناك جزئية ثانية تشكّل منمنمةً مهمةً في الخيط الأول، ألا وهي الأداء المتقن لجميع العازفين السوريين الذين «ينفّذون» موسيقا الشارات والموسيقا التصويرية للعمل الدرامي..فهم أوركسترات وعازفون أكاديميون احترافيون وموهوبون يتسلّلُ سِحرُ عزفهم إلينا كما التنويم المغناطيسي، كأنهم من سلالة أورفيوس… بل هم كذلك!
الخيطُ الرهيفُ الثاني هو «غرافيك» الشارة المشغول بعنايةِ خبراء التصميم والمؤثرات البصرية، وبعضهم يعمل عليها كما لو أنها تحفة سينمائية مُصغّرة يمكن لعين المتابع أن تتلمّس فيها إيقاعاتٍ لونية وموسيقا بصريّة ممتعة لا تقلُّ أبداً عن جمالياتِ الإخراج العالمي، وهذا في رأيي ما اشتغلَ عليه «مصطفى البرقاوي»، على سبيل المثال، عبر مجمل مسيرته المشتركة مع أخيه المخرج «سامر البرقاوي»، وها هو مرة جديدة في شارة مسلسل «الزند»، كما كان في مسلسل «شبابيك»، يضعُ لمسةَ الفنِّ الغرافيكي الخلّابة ويهدينا المتعة.
وكذلك كنا في شارات مميزة لمسلسلات مواسم رمضانية سابقة كما في مسلسل «عندما تشيخ الذئاب» وهي من تصميم (RGB-STUDIO) و(كلمات د. موريس منصور وألحان طاهر مامللي)، وغناء سارة فرح، المغنية المميزة التي أبدعت يومها، كما تبدعُ حالياً في مشاهد الرقص والغناء في مسلسل «الزند» وفي مشهد النواح على «وردة» الغجريّة، وهي تندبُ وتغنّي:
«دِفنتْ اليوم روحَ الروح وردة/ وعلى نبع الحزن صفّيت وِردة
غدرني الزمن وهدّ القلب و رداه/وأخذ منّي الحباب ويلي».

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار