رحلَ «جان كلود مارغرون».. الذي أثبت أن «ماري» أولّ مدينةٍ صناعيّة في العالم
تشرين- سناء هاشم:
رحل عالم الآثار الفرنسي الكبير «جان كلود مارغرون» وهو أحد أهمّ العلماء الذين عملوا في آثار الشرق الأدنى القديم وخاصة في سورية، وتحديداً في موقع أوغاريت وإيمار وماري، وقضى سنوات طويلة من حياته نحو 50 عاماً في خدمة الآثار السورية، منها 25 سنة في موقع ماري في محافظة دير الزورعلى نهر الفرات.
وفي العاصمة الفرنسية باريس، مطلع هذا الأسبوع، رحل مارغرون عن عمر 88 عاماً، المولود في العاصمة الاسبانية مدريد عام 1934.. قاد العالم الراحل العشرات من الحملات التنقيبية في هذا الموقع المهم، وتتالت في عهده مكتشفات جديدة منها «القصر الشمالي الصغير» ومشاغل المدينة والسويّات الأقدم فيها.. وفي نشاطه في مجال النشر والأبحاث، نشر مارغرون المئات من البحوث والتقارير والكتب العلمية، وساهم في إغناء المكتبة الأثرية والتاريخية بأفكار مهمة حول نشأة وتطور المدن في الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد، كما تميّزت أبحاثه في مجال العمارة بأهمية كبيرة..
كان يقول دائماً: «كل يوم هناك اكتشاف أثري في سورية.».. لقد ترك العالم الآثاري الراحل أثراً طيّباً من محبة واحترام وتقدير علماء الآثار في سورية، وشكل نبأ رحيله حزناً شديداً بينهم، كما كان له دور كبير ومهم في تدريب طلاب الآثار في المواقع الأثرية، إضافة إلى مواقفه المشرفة في النشر العلمي وتصريحاته ونداءاته لحماية وصيانة الآثار السورية.
وقد نعاه علماء الآثار السوريون وأصدقاؤه في حقول التنقيب الأثرية وقالوا: «كنا نشعر دائماً بالفخر بالصداقة معه وبمواقفه النبيلة تجاه سورية وتراثها الثقافي، وتعلمنا منه الكثير عن تاريخ سورية في العصور القديمة، كان قامة علمية كبيرة من بين العلماء الذين عملوا في سورية».
يقول أحد الآثاريين الذين عملوا إلى جانبه في موقع ماري: «كان مؤدّباً وأخلاقياً ومُحبّاً للموقع الذي استمر في العمل فيه أكثر من 25 عاماً، وأصدر الكثير من الأبحاث والكتب القيّمة والكثير من أبحاثه لم يترجم.. وهو الذي أثبت في أبحاثه أثرياً وتاريخياً أن ماري هي أول مدينة صناعية في العالم، ودعا الجهات المعنية إلى تكريمه لأنه حسب رأيه قدم لنا مالم يقدمه أي عالم آخر.».. وقال أحد الآثاريين السوريين إن مارغرون قدّم الكثير للآثار السورية، وقام بتكريمنا عند عودته إلى موقع ماري من جديد والبدء بأعمال الترميم والحفاظ عليه خصوصاً بعد تخريبه من قبل مجرمي الحرب، مستذكراً أنه وفي أحد أيام الصيف الحار جداً، كنا ثلاثة فقط في الموقع أنا وهو والدكتور محمود بندكير.. وأضاف: «في ساعة متأخرة من الليل، وصلنا خبر أن حريقاً في موقع ماري، ولم ينتظر تشغيلي للسيارة .. ركض بسرعة.. وحاول إطفاء الحريق بلباسه».. وأردف بوجود الكثير من المواقف الرائعة، وختم قوله: «إلى رحمة الله يا مارغرون.. المخلصون والأوفياء لهذا البلد يتناقصون.»
رحل مارغون تاركاً خلفه بصمات واضحة ومهمة في مجال علم الآثار ، وسجل حافل بالعديد من الاكتشافات الأثرية، وبرحيله خيم الحزن على عالم الآثار، ليس في سورية فحسب وإنما على كل من يعرف أعلام وخبراء الآثار والتاريخ في العالم.