“خبراء صغار” ينتظرون من يستثمر خبراتهم.. طلاب وأساتذة عمارة يتكافلون لمواجهة “تحالف الزلزال والحرب”..

تشرين-آية محمد:
تُدار هناك في كلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق، ربما ككل أخواتها في الجامعات السورية، ما يظنه المراقب “ورشات عمل” أو ورشات عصف ذهني للبحث عن حزمة خيارات يراها أصحابها “مثلى” لإعادة الإعمار وتدوير الأنقاض ثم تنظيم المدن، وعن حلول تنظيميّة ومرورية لمشكلات مؤرقة في سياق استحقاقات صعبة..وهذه الورشات ما هي إلّا مناقشة مشروعات تخرج الطلبة وتتركز بمعظمها على حلول لمشكلات معمارية وتنظيمية راهنة.
شغف
لم تتردد إحدى الطالبات في الكليّة في إطلاق العنان لسجيتها كسورية تعشق بلدها، وهي تتحدث عن “ورشة مشروعات التخرج”، فهي تشبّه صمود الشعب السوري بالأساطير التي أخبرتنا أن طائر الفينيق ينتفض من تحت الرماد والركام بقوة بعد أن يظن الآخرون أنه انتهى… هذه هي صورة الشعب السوري الذي يعيش أسوأ أزمات تاريخه الحديث والتي خلّفت رماداً كبيراً.. لكن الإرادة الصلبة والعزيمة التي لا تلين ستصنع المستقبل الأجمل.

الحاجة الملحة لإيجاد حلول إبداعية للتعامل مع المخلفات المادية للأزمة السورية وبخاصة ما يتعلق بالإعمار والتنظيم العمراني الجديد وأنقاض المباني

الحاجة الملحة لإيجاد حلول إبداعية للتعامل مع المخلفات المادية للأزمة السورية وبخاصة ما يتعلق بالإعمار والتنظيم العمراني الجديد و أنقاض المباني.. فبرأيها تعتري الواقع أحياناً قضايا طارئة غير متوقعة وتغيرات تؤدي إلى خلق تحديات جديدة تحفّز المجتمع على مواجهة هذه الحالات عن طريق أفكار مبتكرة نابعة من واقع حياتنا.
هي رؤى ترى “المهندسة الواعدة” أنها تسعى إلى خلق ظروف وحلول مناسبة عملية وأصيلة تظهر مدى قوة العمل والاهتمام بالمساهمة في بناء المدن والمجتمعات وإعمار البلاد كمهمة متكاملة وواجب لكل سوري.
مبادرات وليست تكليفاً
تتزاحم في كلية العمارة بجامعة دمشق الأفكار والمبادرات، وفقاً لاحتياجات واستحقاقات مرحلية راهنة وأخرى مستقبلية، ليصبح من النافل سؤال الدكتور عقبة فاكوش عميد كلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق بخصوص مبادرات كلية العمارة لتقديم مخططات ورؤى تنظيمية للمدن أو الأحياء المدمرة بسبب الزلزال…كي تكون نموذجاً عمرانياً يحتذى به لإعادة الإعمار.
إذ يشير الدكتور فاكوش في تصريحه لـ ” تشرين” إلى أن أساتذة الكلية شاركوا، كل من موقعه في العديد من الاجتماعات الطارئة ضمن فرق الخبراء للمساهمة في وضع البدائل التخطيطية والرؤى الجديدة، وكذلك استدراك النقص الذي كان واضحاً عندما تعرضنا لهذا الزلزال المدمر، وخاصة أننا خارجون من حرب إرهابية دمرت الكثير من المدن والضواحي والبلدات.

تتزاحم في كلية العمارة بجامعة دمشق الأفكار والمبادرات وفقاً لاحتياجات واستحقاقات مرحلية راهنة وأخرى مستقبلية

هذا في وقت تنشغل الكلية بالعمل في خطط إعادة الإعمار بعيدة المدى، ووضع حلول بديلة وخيارات متعددة أمام جهات اعتماد القرار، وذلك على التوازي مع الطارئ الجديد – الزلزال- الذي فرض شروطاً جديدة وجبت علينا أن ننجزها بسرعة.

د. حداد: دفعة الخريجين في عامي ٢٠١٤- ٢٠١٥ قدّمت مشاريع تخطيطية على مستوى عالٍ في منطقة جوبر والقابون وحرستا ومناطق في الغوطة والمناطق الأخرى التي تعرضت للدمار خلال الأزمة

مواكبة
من جهتها الدكتورة ريمة حداد اختصاصية تخطيط حضري في كلية العمارة بجامعة دمشق، تتحدث لـ ” تشرين” بشيء من الإسهاب وتشير إلى أن معظم مشاريع التخرج في الكلية تصدّت لاستحقاق إعادة بناء وإعمار المناطق المدمرة خلال الأزمة والحرب على البلاد.
وتؤكّد أستاذة التخطيط الحضري، أن دفعة الخريجين في عامي ٢٠١٤- ٢٠١٥، قدّمت مشاريع تخطيطية على مستوى عالٍ في منطقة جوبر والقابون وحرستا ومناطق في الغوطة والمناطق الأخرى التي تعرضت للدمار خلال الأزمة.
أما فيما يخص الزلزال فتؤكد “نحن نمتلك مقررات بقسم التنفيذية وهي تعنى بالحالة الإنشائية وهي على شكل تدريب متواصل للطلاب فيما يخص تهيئة المباني في هذا النوع من الأزمات والكوارث بالطبع سنعمل عليه أكثر”… وتبيّن الدكتورة حداد أن كلية العمارة كانت سبّاقة في موضوع طرح مناطق تنظيمية للمناطق المدمرة، والزلزال برأيها لا يختلف عن هذا الشيء لأن موضوع الزلزال متعلق بدراسات تفصيلية جداً على مستوى الموقع ، وفيما يخص الموضوع الإنشائي وجيوتكنيك الخاص في التربة وتسارع التربة، وهو لا يندمج كثيراً ضمن مجال العمارة .
وتطالب د. حداد بأن تكون الكوادر واعية لكل هذه الاستحقاقات وترى ضرورة الاستفادة أيضاً من خبرات كليات الهندسة المدنية التي تعنى بالعديد من الاختصاصات المكملة لاختصاصات العمارة.

د. فاكوش: تنشغل كلية الهندسة المعمارية بالعمل في خطط إعادة الإعمار بعيدة المدى ووضع حلول بديلة وخيارات متعددة أمام جهات اعتماد القرار

نظرة إستراتيجية
ثمة فضول لكل من يتابع ليعرف المزيد من التفاصيل، وهل قدمت الكلية في السابق نماذج تخطيطية لإعمار المدن المدمرة بسبب الإرهاب، وماذا وكيف؟
وهنا يؤكد الدكتور فاكوش عميد الكلية، أن “خبراء الكليّة” وأساتذتها شاركوا كمختصين في كافة اللجان، وقدموا دراسات على المستوى المهني لنماذج كثيرة من خلال مشاركة الأساتذة والمهندسين في فرق عمل لوضع العديد من الدراسات إضافة لمشاريع أكاديمية من خلال ورشات عمل ومن خلال مشاريع طلاب التخرج ورسائل الماجستير والدكتوراه التي تم توجيهها باتجاه إعادة الإعمار.
وباتجاه فني عملي يرى الدكتور عميد الكليّة أن إزالة الدمار وكل ما تعرضت له الضواحي من تخريب، هو أمر مكلف جداً ويحتاج إلى ميزانيات هائلة، واللجان المتخصصة في الدولة تدرس هذا الأمر بعناية وتنتظر فترة التعافي وإزالة العقوبات الاقتصادية الجائرة على الشعب السوري، لتستطيع إدارة أزمته بحرية وعقلانية وننطلق بحرية نحو إعادة البنى التحتية وتطوير المناطق المنكوبة وإعادة تأهيلها، والدراسات والبدائل جاهزة لكن عقبة التمويل واستقطاب المستثمرين وحركة النهوض العمرانية تقف بوجهها العقوبات الجائرة وغير المنطقية.

لدينا ما يكفي من الخبراء.. ما نحتاجه الاستعانة بالتقنيات الحديثة لتمويل وتعزيز مواردنا والتقنيات الموجودة، وكذلك نحتاج لتمويل المشاريع فنحن خارجون من أزمة وحرب قاسية

بدورها الدكتورة حداد ترى أن المناطق المعرضة للدمار مهما كان نوع الدمار تحتاج دراسة الموقع ومن ثم العمل على إعادة التأهيل حتى يصبح الموقع صالحاً ليستقبل ويستوعب أي إجراء تنموي… وتضيف أنه وفيما يخص إزالة المناطق؛ ” نعم ثمة حاجة للمدن الحية إلى نهضة معمارية وعمرانية حقيقية قائمة على مفاهيم الاستدامة في كل شيء سواء بالمخططات أو في شكل الأبنية وفي نظام البناء بتوافق هذه الضواحي السكنية مع المعطيات الجديدة الحديثة والمعاصرة والصامدة”.. وترى أن هناك الكثير من التغيّرات تتعرض لها المدن سواء تغيّرات مناخية أو بفعل الهزات أو الكوارث من نوع آخر..
ويتوافق كل من الدكتور فاكوش والدكتورة حداد بخصوص الكثير من الأفكار والحلول والتجارب التي تتم محاولة عرضها وتنفيذ أمثلة منها من خلال ورشات عمل وإيجاد بعض المطورين والمتبرعين لإنجاز هذه الأمثلة وتقديم دراسات جادة وحلول لكل ما تعرضت له سورية من تخريب.

خبرات
يعتدّ عميد كلية العمارة في جامعة دمشق، بالخبرات المتاحة في الكليّة، ويقول: نحن كأساتذة معماريين ومخططين رغم قلتنا نتابع ونطور كوادرنا باستمرار ونطلّع على كل ما هو جديد رغم الحصار وأحياناً بجهود ومشاركات شخصية، لكن إعادة الإعمار تحتاج إلى توفير الميزانيات الكبيرة لإنجازه وأود أن أتقدم بالشكر لكل أعضاء الهيئة التدريسية الذين قدموا الكثير من الاستشارات والخبرات لكافة الجهات العامة، وهناك الكثير من الأمثلة وفي كل المجالات والاختصاصات المتوافرة في الكلية ، وهذه المقترحات والدراسات لا تقلّ مهنية عما تقدمه الخبرات الخارجية ..
فيما ترى د. ريمة حداد…أن ما نحتاجه من الخبرات الخارجية هو التأهيل والتمويل المشاركة من قبل المنظمات، لكن كخبرات.. فنحن نمتلك من الخبرات الوطنية الحقيقية الكافية والمعززة في كل مجالات الإعمار، وقالت: لا أعتقد أن سورية خالية أو تعاني من شحٍّ في الخبرات على العكس تماماً لدينا ما يكفي من الخبراء، ما نحتاجه الاستعانة بالتقنيات الحديثة لتمويل وتعزيز مواردنا والتقنيات الموجودة، وكذلك نحتاج إلى تمويل المشاريع فنحن خارجون من أزمة وحرب قاسية .. نحتاج إلى تعزيز هذا الأمر من كافة الجهات التي ترغب ولها نيّة حقيقية لنهضة سورية.
يبدو فعلاً أن لدينا خبرات وكوادر عالية المستوى في كليات العمارة التي تتميز بحضورها في منظومة الجامعات السورية، كوادر بادرت وقدمت وبرّأت ذممها تجاه استحقاقات التنظيم الجديد للمناطق التي “تحالف الزلزال مع آلة الحرب” على سورية لتخريبها.
كوادر بأفكار ورؤى تنتظر من يتلقفها ويضعها موضع التنفيذ…المهم أن تهتم الجهات التنفيذية لكل ما يجري العمل عليه في أوساط طلاب وطنيين وأساتذة مشرفين هم أساتذة وطن كما هم أساتذة هندسة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار