أمهات أميّات ومتعلمات.. مَنْ الأقدر على تربية الأجيال؟

تشرين-بارعة جمعة:
حالةٌ من الاعتماد على الذات والنهوض من عمق الظلام إلى النور، محاولاتٌ للخروج عن النمطية في الفكر والتقليد الأعمى الذي بات موضة العصر، والذي أفرز الكثير من التناقض في مبادئ التفكير آخذاً بمن وُصِفوا بالأقل حظاً بالتعليم لتعويض الكثير مما فقدوه باتباع منهج الحثّ عليه بقوّة، في وقت لم يبقَ من السعي إليه اليوم سوى التمسك بظاهر الأمور والتخلي عن العمق، فغدت مسألة المقارنة بين جيلين حملا معهما الكثير من التناقض في اعتماد الأفضلية بينهما صعبة للغاية، أمام ما يحويه الماضي من أميّة الأمهات، وما آل إليه الحاضر من سباق مع العولمة، ما استدعى طرح تساؤلات مفادها: لماذا نجحت المرأة قديماً في بناء الأسرة رغم أنها أميّة، بينما أخفقت المرأة العصرية اليوم رغم الدراسة والتطور والعلم؟

أدوار مختلفة
لطالما كان الخلاف على الأدوار النمطيّة التي لعبتها المرأة عبر العصور هو محط جدل لدى الكثير من الأطراف، التي وجدت أن المرأة التقليدية ما زالت تحتفظ بالهاجس الأكبر في البقاء والاهتمام بعائلتها، والحرص عليها انطلاقاً من العادات والتقاليد التي افتقدتها الكثير من الأسر اليوم، حسب رؤية الباحثة الاجتماعية واختصاصية التنمية البشرية الدكتورة غالية البغدادي، التي أكدت من خلال حديثها لـ”تشرين” أنه من الصعب التعميم بهذه الظاهرة، لأنه سابقاً كانت هناك مثقّفات واعيات ضمن فئات مختلفة استطعن النجاح، إلّا أنه وبالنظر لتلاشي الكثير من عادات المجتمع وتقاليده المرتكزة على فكرة التماسك الأسري ما أدى إلى تفكك الأسر، ما يثبت أنه مهما وصلت المرأة إلى درجة عالية من العلم والثقافة، ستبقى هناك حلقة مفقودة وهي العائلة، التي تفرض الاهتمام بها أكثر وذلك بالترفع عن الطموحات الشخصية.

اختصاصيون يشيرون إلى دور وعي المرأة في بناء الأسرة

فالمرأة كانت القدوة والقائد في أسرتها دائماً، ما يعني أن دورها لم يتغيّر أبداً بين القديم والحديث، حسب رؤية رئيسة دائرة الإرشاد النفسي والاجتماعي في وزارة التربية الدكتورة سبيت سليمان، التي أرجعت سبب الاختلاف بين رؤية المرأة سابقاً ورؤيتها اليوم في تربية أبنائها إلى اختلاف الظروف الموضوعية المحيطة بها، فالبقاء في المنزل هو سمة المرأة القديمة، التي لم تتعرض للمؤثرات الثقافية الملاحقة للمرأة في يومنا هذا، والتي أنقذت الأسر من تداخل المسؤوليات، واختصرت مفهوم السّعي في ذهنية الرجل والمرأة إلى بناء الأسرة وتربية الأولاد.

ثقافة المجتمع
وإذا ما عدنا لتعريف مفهوم الأميَّة لدى المرأة سابقاً، الذي اختُزل بعدم قدرتها على القراءة والكتابة فقط، لابدّ من النظر إلى ما كان يحيط بها من ثقافة عالية منبعها الأساسي المجتمع، الذي استطاع، حسب توصيف سليمان للواقع، إكساب المرأة ثقافة تقليدية تناولتها بالتواصل من أجل الحفاظ على أسرتها وإيلاء الاهتمام بتربية أبنائها، التي حسب تأكيدات سليمان لـ”تشرين” تنبع من وجودها لفترات طويلة في المنزل، وامتلاكها الوعي الكافي لدفع أبنائها باتجاه الاهتمام بالعلم والثقافة.

باحثة اجتماعية: تغيّر العادات والتقاليد في المجتمع أدى إلى نشوء حلقة مفقودة وهي العائلة

فالنساء الأميّات نجحن في بناء جيل متعلم، برأي البغدادي، في حين اليوم نجد أن الاهتمام لا يتعدى القشور لدى البعض منهن، فيما يبقى لأخريات القدرة على إدارة أمورهن، ما يؤكد عدم صوابيّة التعميم لدى الطرفين، فما تشهده الساحة اليوم من تسابق في مواقع التواصل الاجتماعي، قاد للتفكك وغياب الحوار والنقاش بين الأم وأبنائها، برأي البغدادي، عدا ميل النساء إلى قضاء معظم أوقاتهن لتلبية متطلباتهن الخاصة كالتجميل والترفيه اللذين لم يكونا شائعين سابقاً.

عدم فهم المرأة العصرية مبدأ الحرية الشخصية وتبنّي التحرر الفكري عزّزا فكرة الأنا لديها

مشكلات عصرية
ولدى العودة إلى الأسباب الحقيقية الكامنة خلف هذا الجدل بين نقيضين، تراودنا الكثير من سلوكيات الأبناء ممن جنحوا إلى مبدأ الاتكالية وإهمال مسألة الالتزام بواجباتهم تجاه مبدأ التعليم، الذي بات حملاً ثقيلاً وغير مُحببٍ للكثيرين منهم، عدا ميل الأمهات إلى مبدأ المُربيات الذي فتح المجال للطفل للجوء إلى العالم الخارجي كالأصدقاء ومواقع السوشيال ميديا، التي وفق توصيف الباحثة الاجتماعية الدكتورة غالية البغدادي باتت أقرب للطفل من أمه، ما انعكس سلباً على قبوله أي مقترح منها لتطوير ذاته لغياب لغة الحوار بينهما.

لطالما كانت المرأة القدوة لأسرتها ما يعني أن دورها لم يتغير بين القديم والحديث

وفي نظرة أخرى ليست ببعيدة عن واقعنا المعيش، تجد البغدادي أن عدم فهم المرأة مبدأ الحرية الشخصية لها، الذي اختصرته بعدم الاعتراف بأي مرجعيّة لها كالزوج والأهل، ومن ثم تبني التّحرر الفكري الذي عزّز فكرة الأنا المُصدّرة من الغرب بطريقة خاطئة الأكثر تأثيراً بها، والذي بدوره ساق لمعتقدات مختلفة عما كانت عليه الأمهات سابقاً، وظهر جليَّاً في ارتفاع نسب الطلاق الذي شكل تقليداً لدى بعض النساء، عدا استسهال فكرة التخلي عن الأبناء، عكس ما كان عليه مفهوم الزواج سابقاً، الذي فرض على الأم قديماً تحمّل الزوج والتّمسك بالأسرة أكثر، لذا فمن غير الممكن وصف المرأة اليوم بأنها ناجحة كالسابق، برأي البغدادي، لوجود نقاط عدّة زعزعت هذا المفهوم الذي بات رهن الحياة العصريّة لديها.

مرشدة نفسية: الظروف الموضوعية والمؤثرات الثقافية تلاحق المرأة العصرية وتشتّت علاقتها بأبنائها

ولأن المرأة اليوم تقود مسيرة للتطوير والتحديث إلى جانب الرجل، حسب توصيف رئيسة دائرة الإرشاد النفسي في وزارة التربية الدكتورة سبيت سليمان، واستطاعت عبر وعيها وإدراكها لمفهوم التربية أن تكون رائدة أيضاً، لا يمكننا القول إنها أخفقت، لأن الظروف الموضوعية التي تحيط بها وبأبنائها أثرت في تربيتها لهم، ومن الممكن أن تكون هذه الظروف المتمثلة بالغزو الثقافي قد وضعتها في حالة تشتت وعجز، وهنا من الممكن القول إنها نجحت ولكن بنسب متفاوتة، فما تعيشه المرأة اليوم من عمل وتربية جعلها بمستوى «العصرنة» التي يعيشها المجتمع.

لا يمكننا القول إنّ المرأة اليوم أخفقت بل نجحت بنسب متفاوتة

وأمام كل ما يتم الحديث عنه من دور محوري للمرأة في بناء المجتمع، تبقى ثقافة المجتمع وتقاليده الأكثر تأثيراً في تصويب بوصلة الفرد، والحكم الأكبر في تقييم نجاحه أو فشله.

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار