كورسك ونقطة التحوّل

يُشكل الهجوم الأوكراني على كورسك الروسية نقطة تحول فاصلة في مجرى العملية العسكرية الروسية الخاصة، على اعتبار أنه أول غزو لأراضٍ روسية من قبل قوات أجنبية منذ عملية بارباروسا التي أطلقها الألمان في عام 1941، كما إنه ينقل الصراع إلى داخل الأراضي الروسية.

وعند الحديث في سياق الحرب الأوكرانية وهجوم كورسك، فإن نقل الحرب إلى الداخل الروسي لن يكون ممكناً من دون دعم أطلسي من قبل واشنطن والغرب، رغم التبرؤ من الهجوم وإسناده بالكامل إلى الجانب الأوكراني، إلّا أنّ مسار الأحداث بات واضحاً من حيث الازدواجية الأمريكية المتبعة في هذا الشأن، والتي تقوم تبعاً للمعلومات على أن تبادر كييف إلى فرض متغيرات ميدانية، ومن ثم يجري التبنّي الرسمي لتلك المتغيرات، واللافت أن واشنطن تعمد إلى افتعال التصعيد ما يشير إلى تحولات جذرية وعميقة في طبيعة الصراع الأمريكي – الروسي، مع استخدام أوكرانيا الذريعة، تماماً كما كان منذ بداية هذه الحرب، وهذا الصراع يتجاوز موضوع استخدام الهجوم كورقة ضغط على طاولة تسوية مستقبلية تقترب فرصها ربطاً باحتمال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ويتجاوز موضوع رفع معنويات الجيش الأوكراني، أو التأثير على المعنويات الروسية والدعم المطلق للعملية العسكرية.

وإذا ربطنا الموضوع الأوكراني بمنطقتنا، وعلى اعتبار محاور المواجهة واحدة، أي بمعنى، محور شرقي في مواجهة محور أمريكي- غربي، فإن التصعيد نتيجة حتمية وضرورة طبيعية لتطورات الصراع هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ضرورة أمريكية للتصعيد على كل الجبهات في وقت واحد، لتأخير زمن السقوط، أو للحصول على مكاسب وتعزيز مواقع في إحدى الجبهات في حال خسارة جبهات أخرى.

وقد يحتمل الوضع في أحد وجوهه التصعيد إلى أعلى مستوياته والوصول إلى حافة حرب حقيقية شاملة ليس على مستوى الإقليم فحسب، بل على المستوى الدولي/ العالمي، من شأنها إعادة رسم خرائط جديدة في السياسة والاقتصاد والعسكرة، في حال قيامها، وفي حال تجنبها أو احتوائها، يكون الجميع على موعد مع تسويات شاملة إقليمية ودولية تفرض صيغاً جديدة من توازنات القوى من دون أن تخسر واشنطن موقعها، وعند هذه النقطة تضحي واشنطن بأوراقها كأوكرانيا مثلاً، بأن لن يكون هناك أوكرانيا بعد ذلك، مع الإشارة إلى أنه حتى في حال التسويات وتجنب الحروب تُرسم خرائط جديدة وفي مختلف المستويات وتوضع قواعد للمواجهة والاشتباك وحدودهما.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار