الشِّعْرِ كبلسمٍ نتَخَفّفُ به من وطأةِ ألم الكوارث

الشِّعْرِ كبلسمٍ نتَخَفّفُ به من وطأةِ ألم الكوارث
نضال بشارة
ليس من المستغرب أن يبادر بعض الشعراء إلى كتابة نصوص تقارب كارثة الزلزال، ففن الشعر عبر مسيرته، نجد فيه دائماً شعراء قادرين على نسج نصوص من وحي المآسي التي تصدمهم، وبشكل سريع لافت معبّر عن قدرة موهبتهم على التفاعل مع الحدث. ومهما تعددت مستويات النصوص الإبداعية المُنجزة، فهذا ليس بضرورة نقدية في خضم الكارثة، لأن ضرورة النصوص الأهم هي تخفيفها وطأة الكوارث عنا نحن البشر، وهل ابتكر الإنسان الفنون وأولها الشعر غير لتخفيف الألم وتحمّل صعاب الحياة؟. في ضوء ذلك نقرأ النص الجميل والعميق للشاعر إياد خزعل ابن محافظة حمص، قال فيه:
إنْ بدَا لكمُ أنّ ملابسَنا نظيفةٌ
فابْحثُوا في خيوطِها العميقةِ
تجِدُوا أنّ القذارةَ في تفاصيلَ صغيرةْ
وقلوبُنا سوداءُ يملؤُها الخرابُ
فانفضُوا عنكُمُ ما في النفسِ منْ عَفَنٍ
واخرجُوا للشّمسِ عارينَ منْ كلِّ شيءٍ
وتعمّدُوا بالمطرْ
***
ماذا تريدينَ أيّتها الأرضُ الحزينةُ؟
تُهْنا…
والدّوائرُ العميقةُ فيكِ
تُعيدُ ترتيبَ الخرائطِ
تُعيدُ تقليصَ البشَرْ
وتدفعُنَا وقوداً
كي يعيشَ الذّهبيّونَ في أبراجِهمِ العاليةْ
ويحرّكونَ الأرضَ كي تهتزَّ في أعماقِها
وتأكلَ أجسادَنا البالية..
***
منْ أجلِ الحياةِ
وهيَ الشّهيّةُ أكثرَ منَ الموتُ
تقولُ الطفلةُ: (اخرجني وخُذْنِي جاريةْ)
فتقتلُنا
تعرّي ذواتَنا الخافيةْ
وتهزّنا أكثرَ منْ زلازلِ الأرضِ
بكلماتِها القاسيةْ
وأبٌ يغنّي في وداعِ الملاكينِ
يعاهدُهما على الوفاءِ
فيلهبُ ناراً في القلوبِ
وتظلُّ الدّوائرُ العميقةُ في نشوةٍ
ترسمُ في الخَفاءِ مصيرَنا
تبدِّدُنا بصمتٍ
ونحنُ بيادقُ
تلهو بِنا ما تشاءُ
***
ألا أيّتُها النّارُ
يا أوّلَ مُؤنِسٍ
أعيدِي لنا الغاباتِ خضراءَ
طَهِّرينَا منْ كلامِ المُنجّمينَ
أحرقِينا
لعلّنا نرجِعُ للبراءةِ أوّلَ التّكوينِ
لعلَّ روحاً جديدةْ
ترتِّبُ أيّامَنا الباقيةْ
ونحا الشاعر منير خلف ابن محافظة الحسكة نحو زميله بكتابة نصٍ جميل قارب فيه هذه الكارثة التي لم تفرّق ولم تنتخب بل صعقتنا جميعاً تحت هول أذاها، فوحدتنا المأساة:
«ربّ جرحٍ لمّ شمل السُّحُبِ/ ونمى فينا بكاء القصبِ/ لا تقولــوا: ذاك كرديٌّ وذا/ تركمــانيُّ وذا من عـربِ/ كلُّنـــا من آدمٍ، حــوّاؤهُ/ أطعمَتْنــــــا من رغيف التّعبِ/ جُبِلَتْ من كــدرٍ طينتُنــا/ يا جهاتِ الأرضِ كم من نُوَبِ !؟/ وضعَتْنـا في يد الزلزال، لا/ أمَّــةٌ تصحو، ولا دعــوى نبي/ هزّةُ الأرضِ، فمــا ميراثنــا؟/ أن تهــزَّ الأرضُ جذعَ النّسبِ/ موتُنا السُّوريُّ جرحاً قد غدا/ باردَاً في اليُتْمِ معصوبَ الأبِ/ إنها الأنقاضُ أبدتْ ما خفى/ جفوة القربى كنار الخُطَبِ».
كما نسج الشاعر د. حسان الجودي ابن حمص من مغتربه نصّه المؤثّر على شكل ومضة منحوتة من الألم :
لهفي على طفل يضمُّ ترابا
والأم تحته تحضن الأحبابا
لهفي على وطن يلمُّ عظامهُ
والموت يغرس ضاحكاً أنيابا
لهفي على السوريِّ ترجف روحهُ
والقهر آلاتٌ تخيط ثيابا

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار