لا بدّ من النهوض والصمود

على غفلة تأخذنا الكوارث الطبيعية من الكوارث السياسية.. نأخذ استراحة (وأي استراحة؟!).. تصطف السياسة جانباً، وإذا ما تقدمت تكون باتجاهين: منحاز متجاهل أو داعم ومساند، وهذا تبعاً للجهة التي تتموضع فيها دولة ما، مُعادية أو صديقة. هذه حالٌ – نحن السوريين- خبرناها، وما زلنا، خلال الحرب الإرهابية/العسكرية والاقتصادية/ الممتدة منذ عام 2011.. والحروب هي أقسى الكوارث الإنسانية وإن لم تكن من صنع الطبيعة، وذلك لامتدادها زمناً ومساحة، ولأن من يقف وراءها أكبر الدول وأقواها وأشدها وطأة في الإرهاب والهمجية، والولايات المتحدة مثال صارخ، وهي التي تقبع محتلةً أراضي سورية تسرق خيراتها وتنهب ثرواتها.
فجر السوريين لهذا اليوم اهتز على وقع زلزال عنيف مركزه جنوب شرق تركيا، امتد إلى المحافظات السورية الأقرب وصولاً إلى حلب مخلّفاً وراءه عشرات القتلى ودماراً هائلاً في البلدين.. وفعلياً كل المحافظات السورية وصلتها ارتدادات الزلزال.
في لحظة واحدة استعاد السوريون 12 عاماً مضت وهم تحت كارثة الحرب الإرهابية الأميركية/الغربية التي تشتد وطأتها اقتصادياً عاماً بعد عام، لتضاف إليها اليوم كارثة زلزالية. كان من الطبيعي أن يكون لسان حالهم ينطق بمزيد من الأسى واللوعة: ألا تكفينا كوارث الحرب.. ألا يكفينا ما ينتظرنا منها؟
نصبر على البلوى، نعم.. ونعلم أننا نكاد نكون وحدنا في المصائب، لأن أميركا ما زالت تصادر الصوت العالمي، التضامن العالمي، الإنسانية العالمية، وحتى السياسة العالمية بمفهومها الإنساني.. حتى في الكوارث الطبيعية تفرض الولايات المتحدة مفهومها الانتقائي  غير الإنساني، فتمنع إغاثة هذا البلد، وتسمح بإغاثة آخر، وكله خاضع لخريطة أطماعها العالمية، لأنها تستثمر حتى في الكوارث الطبيعية والمعاناة الإنسانية.
لا شك في أن هذا الزلزال شديد الوطأة على السوريين، لكنه ليس أشد من الاحتلال القابع على أرضهم، وهم موقنون بأنه لولا هذا الاحتلال لربما كانت آثاره أقل وطأة.. سيبقون لأيام يُحصون خسائرهم المادية والإنسانية.. يترحمون على ضحاياهم ويداوون جرحاهم، ثم يستعدّون للأيام المقبلة، حيث لا بدّ من النهوض والصمود.. ولهم في التاريخ عبرة وأسوة. ففي تشرين الأول من عام 1138  كانت حلب على موعد مع أقوى الزلازل في التاريخ، كان رابع أخطر زلزال من حيث الدمار، والثالث من حيث أعداد الضحايا، بعد زلازل شانشي والمحيط الهندي وتانغشان في الصين. سُمي باسمها، زلزال حلب، تعداد ضحاياه بلغ 230 ألفاً، وكان بداية لأول تسلسلين عنيفين من الزلازل في المنطقة، من تشرين الأول 1138 حتى حزيران 1139، وسلسلة أخرى أكثر شدة، من أيلول 1156 إلى أيار 1159.
وحسب مؤرخي ذلك العصر، دمّر هذا الزلزال معظم مدينة حلب وعدداً من البلدات والقرى المحيطة في شمال سورية وشرق تركيا، ودمّر أيضاً عدداً من أكبر القلاع والحصون في المدينة ومحيطها من بينها قلعة حلب وقلعة الأتارب وقلعة حارم، مشيرين إلى أن أهل المدينة هاموا على وجوههم في العراء 40 يوماً وليلة.
الزلزال رافقه تسونامي في البحر المتوسط، وتبعته 5 هزات ارتدادية عنيفة، وقدّرت الدراسات الحديثة شدة الزلزال بـ8.5 درجات على مقياس ريختر.
تاريخياً، شهدت بلاد الشام الكثير من الزلازل العنيفة في دمارها وعدد ضحاياها، ومن أبرزها:
زلزال الجليل: ضرب جنوب شرق بلاد الشام يوم الـ18 من أيار عام 363، كان مركزه مدينة الجليل شمالاً وامتدت آثاره على طول صدع البحر الميت حتى خليج العقبة جنوباً، وتسبب بدمار مدينة البتراء إضافة إلى أضرار كبيرة لحقت بمدن مثل القدس وحيفا وطبريا.
زلزال بيروت: وقع يوم الـ9 من تموز عام 551، وتسبب الزلزال الذي قُدرت شدته بنحو 7.6 حسب مقياس ريختر بتسونامي مدمر وصل تأثيره إلى المدن الساحلية في فينيقيا البيزنطية، ما تسبب بدمار كبير وغرق العديد من السفن، وبلغ عدد الضحايا في بيروت وحدها 30 ألفاً، حسب تقديرات المؤرخين آنذاك.
زلزال غور الأردن: وقع عام 1033 وكان مجموعة من الهزات الأرضية القوية والمتتالية، التي استمرت 40 يوماً تقريباً، وأدت إلى دمار مدينتي طبريا وأريحا، وتهدمت أجزاء كبيرة من المسجد الأقصى وأسوار القدس، إضافة إلى تشكل أمواج تسونامي على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
زلزال صفد: وقع الزلزال الذي كان مركزه مدينة صفد الفلسطينية في الأول من كانون الثاني عام 1837، وبلغت قوته على مقياس ريختر حوالي 6.5 درجات، وراح ضحيته قرابة الـ5 آلاف نسمة، ودُمرت بسببه 17 قرية بالقرب من بحيرة طبريا مع مدينة صفد بالكامل.
منذ هذا الزلازل الأخير، أي زلزال صفد، لم تسجل المنطقة أي زلازل، ونحن نتحدث هنا عن بلاد الشام التاريخية، فيما تركيا سجلت سلسلة زلازل عنيفة في دمارها وضحاياها.
لذلك كان هذا الزلزال صادماً للسوريين وإن كان طيف واسع منه توقع حدوثه، من دون أن يستطيع تحديده زمانه، إذ إن سلسلة هزات خفيفة سبقته طوال العامين الماضيين، وكان أملهم ألا يقع، وهم في عسر وضيق حال، وبلادهم ما زالت لم تخرج بعد من الحرب الإرهابية الأميركية- الغربية.. فلا يستطيعون نصرة إخوانهم المكلومين والمتضررين، سوى بكلمات التعازي والمواساة والتعاطف. مع ذلك هي تكفي.. يكفي أن نكون قلباً واحداً في الشدائد تحت سقف وطن واحد، قد تهزه العواصف والمحن والحروب لكنها لا تكسره أبداً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
(وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان أين وصلت عمليات الترميم والتأهيل لمتحف معرة النعمان وماذا عن متحف حماة وقلعتها؟ بسبب العاصفة.. أضرار مختلفة في الشبكة الكهربائية باللاذقية