دراما بيئية مصورة في عالم الغابة

تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:

استقر في وجدان الكثيرين منا، عبر حكايات الطفولة، أنّ الأسد ملك الغابة وإن كان أحد لا يتوقف- على الأغلب- لمراجعة صحة استحقاق هذا اللقب الجليل، ولا أحد يجهل أن الفيل هو أضخم كائنات اليابسة المعاصرة قاطبة، والعلاقة بين اللذين يتجمل أولهما بلقب الملك، وثانيهما بعلاقة مودة مع الأطفال في حدائق الحيوان، فالعلاقة بينهما تحكمها توازنات القوى، حيث يحرصان في الطبيعة على الاحتفاظ بمسألة عازلة، لا يعاد فرص الصدام بين القوتين الكبيرتين في عالم الغابة.

ولكننا نستدرك، فنقول إن ذلك يحدث فقط في الأحوال الاعتيادية حيث تكون كل أمور الغابة متزنة، والحدود واضحة، أما إذا حلّ عنصر المنافسة على شأن حيوي مثل الماء، فلا مهانة ولا حذر، بل مواجهة سافرة، وقد لاحظ علماء البيئة وسلوكيات الحيوان هذا التبدل في أحوال الأسود والفيَلة في حديقة (تشولي) القومية شمال (بوتسوانا) في فصل الجفاف الذي يمتد من نيسان إلى تشرين الأول، حيث يندر الماء، ولا يوجد إلّا في بقع صغيرة متناثرة في تلك الحديقة، وقد رصد العلماء أحوال الانقلاب في العلاقات بين الفيلة والأسود عند بقعة من هذه البقع، لا تزيد مساحتها على بضعة أمتار مربعة، ولا يتجاوز عمقها القدم الواحدة، ولا تكفي مياهها قطيعاً متوسط الحجم من الفيلة، فالفيل الواحد يستهلك أكثر من 50 غالون ماء يومياً، ويلتف الفيلة حول حفرة الماء، صانعة بأجسامها الضخمة عائقاً يحول دون اقتراب المزاحمين العطشى ومن بينهم الأسود، بل إن الأمر قد لا يخلو من محاولة لاستعراض القوة، يقوم بها ذكر من الفيلة الفتية، فيفتك بأسد يربض غير بعيد من مورد الماء، فيضطر الأسد إلى التراجع، فالتوقيت غير مناسب للمواجهة والرد، وهكذا يحتدم الصراع ويصل إلى ذروته عندما تبدأ (استجابة) الأسود ضد هذه الروح العدوانية التي أظهرتها الفيلة تجاهها، ولك أن تتخيل مدى شراسة هذا الاستجابة التي تبدأ بالإيقاع بالدغافل (صغار الأفيال) الغريزة التي تشرد عن القطيع، ويزداد سعار الأسود مع كل (دغفل) يقع تحت أنيابها ثم ينظم الأسود هجوماً ليلياً، فتنتظر قطيعاً من كبار الفيلة عند حفرة المياه، وعندما تحين الفرصة المناسبة تجتمع على واحد منها، تعتليه وتنشب فيه مخالبها وأنيابها، حتى يخرّ صريعاً.

ولا تنتهي عمليات القتل، ولا يتدخل المسؤولون في حديقة (تشومي القومية) فهم يعلمون أن الوفاق القديم كان لمصلحة الفيلة، فتكاثرت أعدادها، وفاقت حدود الاتزان الطبيعي المحسوب لجميع حيوانات الحديقة، إنها دراما لبيئة مصورة في حديقة الحيوانات تحكي قصة مسألة اتزان صراع هذين الملكين، سبحان الله مقلب الأحوال من حال إلى حال.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار