المرسوم التشريعي(2) للعام 2023 الخاص بحماية ورعاية الأطفال مجهولي النسب.. قوة في الهيكلية القانونية والإنسانية وتوطئة لأفق اجتماعي آمن

تشرين- رشا عيسى:
قوة في الهيكلية القانونية جسّدها المرسوم التشريعي رقم 2 للعام 2023 الناظم لحقوق الطفل مجهول النسب، ونقلة نوعية إنسانية واجتماعية في نصه المتضمن مواد قانونية واضحة هدفها الأول والأخير حماية الطفل مجهول النسب ومنع استغلاله مادياً وجسدياً، وسدت مواد المرسوم التشريعي ثغرات كانت موجودة سابقاً وطرحت أفكاراً جديدة في قوانين كان للمرأة حصة مهمة فيها حيث أعطى المرسوم المرأة التي لا زوج لها سواء كانت مطلقة أو أرملة أو عزباء الحق باحتضان طفل والتكفل برعايته، فهذه فكرة خلاقة وتنعكس آثارها بشكل مذهل على المرأة الحاضنة والطفل المحضون.

نقلة نوعية قانونياً واجتماعياً
المحامية الأستاذة هزار نور الدين أمون تؤكد لـ(تشرين) أن المرسوم التشريعي نقلة نوعية من النواحي القانونية والإنسانية والاجتماعية،الأمر الذي يعكس قوة هيكلنا القانوني والإنساني رغم الظروف القاسية التي نشهدها حالياً، حيث كان الطفل مجهول النسب يعيش وكأنه مجرد رقم لا أكثر فهو على أرض الواقع موجود ولكن من الناحية القانونية غير موجود ولا يتمتع بأي من الحقوق التي يتمتع بها أي طفل آخر حيث إنه يعيش حالة ضياع، إذ ليس له هوية ولا نسب، مفتقداً لأبسط حقوقه كأن يتعلم ويمارس طفولته بشكل طبيعي وبأمان، ولكن وضعه القانوني غير الطبيعي جعله عرضة للسخرية من المجتمع، وللآسف للازدراء من بعض الجاهلين فاقدي الإنسانية.

نصّ على مواد قانونية واضحة وصارمة هدفها الأول والأخير مصلحة الطفل فهي تحفظ له حقوقه المسلوبة وتحميه من حالة التشرد والضياع.

مواد صارمة
جاء المرسوم وكأنما أنبت شجرة في صحراء قاحلة حيث نصّ على مواد قانونية واضحة وصارمة هدفها الأول والأخير مصلحة الطفل فهي تحفظ له حقوقه المسلوبة وتحميه من حالة التشرد والضياع التي كان يعيش بها ويجب ألّا نغفل أهمية صدور هذا المرسوم في هذا الوقت بالتحديد نظراً للنتائج الكارثية وللأرقام التي سجلت لأطفال على أنهم مجهول النسب الأمر الذي خلّفته الحرب على مدار ١٣ سنة حيث ضاعت الأنساب واختلطت الدماء، فكم من طفل خُطف من ذويه قسراً، وكم من طفل فقد ذويه وهو بنعومة أظفاره حيث لم يتسنَ له أن يحفظ وجوههم ، فهنا لم نعد بصدد العشرات من الأطفال مجهولي النسب وإنما مئات وربما أكثر فأتى هذا المرسوم ليضمن حماية الأطفال من حالة التشرد والضياع والاستغلال المادي والجسدي ومن المتاجرة بهم باسم طفولتهم البريئة المسلوبة.
ميزات قانونية
وأكدت أمون أن أبرز ما يميز هذا المرسوم الشدة التي جاء بها كعقوبات تم فرضها على كل من تسول له نفسه مخالفة أحكامه ونذكر أهم هذه النقاط:
1-المادة ٢ والفقرة أ “التي أكدت على تمتع الطفل مجهول النسب بجميع الحقوق والحريات مثله كبقية أقرانه حيث وضع حداً للتفرقة والعنصرية من أي شخص كان وهذا الأمر وحده كفيلاً أن يبني الطفل بنية سليمة وصحية نفسياً.
2- المادة ٦ التي لم تنسَ الأطفال مجهولي النسب ممن لديهم إعاقة فحفظت لهم حقهم بالرعاية مثلهم كبقية الأطفال تماماً.
3-المادة ٨ فقرة ب والمادة ٢٤ حيث نجد أن المادتين قد أكدتا على سرية المعلومات المسجلة وكل ما يخص هؤلاء الأطفال وحظرت بشكل قاطع الإشارة أو الدلالة على أن الطفل مجهول النسب سواء من هيئة بيوت لحن الحياة أو دائرة السجل المدني.
4- المادة ٣٦ وتعتبر مادة بالغة الأهمية وتعتبر فكرة جديدة في قوانيننا حيث أعطت الحق للمكلفين بزيارة الأطفال مجهولي النسب والتحقق من حالتهم في الأسرة البديلة حيث إن هذه المادة تشكل رادعاً قوياً لكل أسرة في حال فكرت باستغلال هذا الطفل بأي شكل كان.
5- المادة ٣٥ والتي أعطت للمرأة التي لا زوج لها سواء كانت مطلقة أو أرملة أو عزباء الحق باحتضان طفل والتكفل برعايته فهذه فكرة خلاقة وتنعكس آثارها بشكل مذهل على المرأة الحاضنة والطفل المحضون.
تدارك لبعض المواد
من جهة أخرى ترى أمون أن هناك بعض المواد التي جاءت ناقصة في صياغتها القانونية وقالت:
أولاً: المادة التي اعتبرت أن الإلحاق بأسر بديلة عبارة عن عقد ينتهي ببلوغ الطفل سن الثامنة عشرة من العمر من دون أن تعطيه الحق بالاختيار في حال كان يرغب بالبقاء مع هذه الأسرة أو لا، فهنا سنترك الطفل والعائلة بحالة تشتت حيث كانوا قد عاشوا معاً لعدة أعوام وتمت معاملة هذا الطفل على أنه طفلهم وتأقلموا على نمط حياتهم معاً فأين وجه الحق بذلك؟ و يجب ألّا يكون العقد مرهوناً بوقت معين، وإنما مطلق لحين تغير الظروف أو إثبات مخالفة الأسرة لشروط الإلحاق أو مرهون بوقت مع حفظ حق الطفل بالاختيار عند بلوغ سن معين.

بالإضافة إلى ما نصت عليه المادة ٣٩ على أن هيئة (لحن الحياة) تستعيد الطفل عند إنهاء أو انتهاء عقد الإلحاق علما أنه ذكر في المادة ٢٨ على أن بيوت لحن الحياة ترعى الطفل حتى بلوغه سن الثامنة عشرة فقط وفي حال كان الطفل لديه الرغبة بالبقاء (هنا نجد أنها أعطته حق الاختيار بالبقاء أو الرحيل على عكس وضعه مع الأسرة الحاضنة) فعليه أن يوقع تعهداً وفق شروط معينة, الأمر الذي يشكل تضارباً في المواد القانونية.
فحبذا لو تدارك المرسوم هاتين النقطتين لكان قانوناً كاملاً متكاملاً يسهم في بناء بيئة سليمة وصحية نفسياً وصحياً وإنسانياً تسمح للطفل العيش بأمان وكرامة بعيداً عن كل أشكال الاستغلال.

تلبية لإشكالات المجتمع المستحدثة
من جهتها المحامية الأستاذة مروة محي الدين الحمصي وجدت أنه بسبب ما عانته سورية من أوضاع قاسية سببتها الحرب الظالمة على أبنائها, والحصار الاقتصادي الجائر، كل ذلك أفرز نتائج غير معتادة على المجتمع السوري، أو إنها كانت محدودة فازدادت بشكل ملحوظ، ومن بينها مسألة ولادة مجهولي النسب.

نظّم شؤون مجهولي النسب، وجاء متماشياً مع قانون حقوق الطفل الصادر برقم 21 لعام 2021

فجاء المرسوم، ونظّم شؤون مجهولي النسب، وجاء متماشياً مع قانون حقوق الطفل الصادر برقم 21 لعام 2021، وملبياً لإشكاليات المجتمع المستحدثة، لكونه نظم الحلول الاجتماعية لهذه المشكلة (مجهولي النسب) ضمن الأطر القانونية، وأولاها الاهتمام الذي كان لابدّ منه.
أهداف محددة
حيث هدف المرسوم إلى:
أ‌. ضمان تمتع الطفل مجهول النسب بجميع الحقوق والحريات دون التمييز عن أقرانه.
ب‌. تنظيم شؤون رعاية الطفل مجهول النسب وتهيئة الظروف الملائمة لنموه السليم والبيئة الداعمة لتربيته وتعليمه.
ج. حماية الطفل مجهول النسب من الاستغلال والإهمال والحفاظ على مصالحه.
ونظّم شؤون دور الرعاية التي تتولى العناية بهم وأحدث هيئة عامة ناظمة لشؤون مجهولي النسب سماها بيوت لحن الحياة وعرف مجهول النسب بأنه الطفل الذي يعُثر عليه ولم يعرف والداه أو لم يثبت نسبه.
وقنن فكرة الإلحاق لمجهولي النسب وأنشأ مفهوم الأسرة البديلة ضمن شروط معينة.
أما لجهة بيوت لحن الحياة، فقد أنشأ المشرع هذه الهيئة بغية تنظيم شؤون الأطفال مجهولي النسب، حيث إنها تتمتع بالشخصية الاعتبارية ولها الاستقلال المالي والإداري ولها موازنة خاصة وترتبط بوزير الشؤون الاجتماعية والعمل.
أما مفهوم الإلحاق الذي نص عليه المرسوم المذكور، فهو يهدف إلى رعاية الطفل مجهول النسب وتربيته والإنفاق عليه والاهتمام بشؤونه كافةً ضمن الأسرة البديلة من دون أن يترتبّ على ذلك أي حق في النسب أو الإرث، أو في مؤسسة الرعاية.
أي إنّ الإلحاق لا يعني تسجيل الطفل مجهول النسب على قيود العائلة البديلة، بل إن المشرع جرّم هذا التسجيل وعاقب عليه بالاعتقال المؤقت بالمادة 43 منه.
و تجدر الإشارة إلى أن من شروط الإلحاق أن يكون الطفل لم يبلغ السابعة من عمره وينتهي الإلحاق بإتمامه الثامنة عشرة من عمره.
كما أبقى المرسوم باب تثبيت نسب الطفل لأبويه الحقيقيين أو لأمه خلال فترة رعايته واسترداده مفتوحاً, وذلك بحكم قضائي وفقاً للقانون.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار