في ميزان القيم الإنسانية.. تشريع وطني يجنِّب الأطفال مجهولي النسب التمييز والإقصاء الاجتماعي وينتشلهم من دوامة العنف والجهل
تشرين- رشا عيسى:
لاتزال الأنظار تتركز حول المرسوم التشريعي رقم 2 للعام 2023 الخاص بحماية ورعاية الأطفال مجهولي النسب، ومعالجته لأزمة تعد ملحة جداً على الصعد كافة، الإنسانية والأخلاقية والمجتمعية والقانونية، حيث إن الإشكاليات التي نظمها المرسوم جعلت الطريق نحو الحل معبداً لاحتضان أطفال ورعايتهم وحمايتهم ووضعهم في منطقة آمنة اجتماعياً لن يكونوا فيها معرضين للأخطار التي تتربص بهم حالياً.
الحماية القانونية التي أوجدها المرسوم التشريعي جنّبت على أقل تقدير معاقبة هؤلاء الأطفال على أفعال لم يرتكبوها، كذلك جنبتهم التمييز والإقصاء الاجتماعي وعدم الوصول إلى الخدمات الطبية والغذائية والتعليمية ما يعني انتشالهم من دوامة عنف وجهل وتخلٍ وجدوا فيها من دون إرادتهم.
أسقط المرسوم صفة (عديم الجنسية) عن هؤلاء الأطفال وفسح المجال لتصنيفهم كمواطنين في تماشٍ حقيقي مع القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي ينص على أنه يجب أن يكون لكل طفل الحق في هوية وجنسية.
فتح المرسوم التشريعي الباب على مصراعيه لتقديم رعاية عادلة للأطفال مجهولي النسب وتعويضهم عن الفقد للرعاية والحماية، مستهدفاً الأطفال مجهولي الأم والأب، أو مجهولي الأب ومعلومي الأم لكن أمهاتهم تخلت عنهم ولا يوجد مَن يرعاهم، متيحاً المجال للأسر السورية الراغبة بذلك ضمن شروط قانونية نظمها المرسوم لتكون أسراً بديلة تهتم بأمور هؤلاء الأطفال ما يعدّ تطوراً لافتاً في القوانين والدساتير الوطنية التي تراعي التغيرات الطارئة على مجتمعنا وتنظم الشؤون المدنية من حقوق وواجبات.
باحثة اجتماعية: مشروع اجتماعي وإنساني بكل ما للإنسانية من معانٍ وأبعاد
صورة إنسانية شاملة
الباحثة في القضايا التربوية والاجتماعية الدكتورة سلوى شعبان توضح أن المرسوم يعدّ صورة إنسانية شاملة، ومشروعاً اجتماعياً وإنسانياً بكل ما للإنسانية من معانٍ وأبعاد، خاصة أنه أثناء الحرب وبعدها وجدنا أنفسنا ضمن إحصائية لابأس بها من عدد للأطفال المجهولي النسب، والمتواجدين في المناطق التي عاشت وتعرضت للإرهاب وبقية المناطق والمدن التي يُلقى فيها أطفال بالشوارع أو على أبواب الجوامع والكنائس والمؤسسات الاجتماعية والخيرية.
ضامن للحقوق والواجبات
المرسوم ضامن للحقوق والواجبات من دون تمييز لشريحة حساسة لو تركت من دون رعاية لكانت لقمة سائغة للانحراف والإجرام والإهمال والاستغلال وهذا ما رأيناه خلال الحرب من أفلام صورت من المجموعات الإرهابية والقتلة والأطفال كانوا أبطالها وأدواتها، كذلك يعيد المرسوم الكرامة لهؤلاء الأطفال بكل ما يحتويه من تفصيلات قانونية واجتماعية ضامنة ومحددة.
ينص المرسوم التشريعي في بنوده على حماية ورعاية وتعليم وتدريب وإعطاء اسم وشهادة ولادة وتسجيل وفق قانون الأحوال المدنية ضمن الهيئة العامة الناظمة لشؤون الأطفال المجهولي النسب (بيوت لحن الحياة) ليكون للحياة طعم ومعنى وليشعر الطفل أنه جزء من مجتمع متكامل وليس عاراً أو عبئاً عليه.
تضميد جراح أرواح بريئة
تقول شعبان: لقد قرأنا مواد المرسوم ودخلنا تفاصيل بنوده وكانت الخلاصة إيجاد البيئة والظروف المهيأة إنسانياً وتربوياً وتعليمياً لهؤلاء الأطفال مجهولي النسب، ولأن هدفنا دوماً خلق الجيل المتعلم والمتشبع بالدفء الأسري والأخلاق والفكر جاء المرسوم مضمداً لجراح أنفس وأرواح لا ذنب لها بما وصفوا به مجهولي النسب.
وتؤكد شعبان أن سورية مشهود لها عبر الزمن والمراحل التاريخية السابقة أنها سباقة دوماً لضمان كيان الأسرة السورية والأجيال القادمة وتوفير الحياة الآمنة لأفراد المجتمع، وبين مرحلة وأخرى هناك إصدار لقوانين ومراسيم رئاسية تعزز ما تحدثنا عنه وتنظم الشؤون المدنية من حقوق وواجبات.
أكاديمي: لابدّ من أن تتدخل الدولة إنسانياً لمعالجة الحالة المستجدة لتأمين الوضع القانوني والصحي والتربوي
الباحث الدكتور حسام الدين خلاصي بين أن عبارة مجهولي النسب تزايدت مع تداعيات الحرب والتفلت الأخلاقي والانحطاط الذي وصلت إليه المجموعات الإرهابية المسلحة في استباحة الأعراض تحت مسميات شتى من سبايا إلى ملك يمين إلى حالات اغتصاب ولاحقاً ترك النساء إلى مصيرهن مع المواليد حيث لم تعد تعرف تلك التجمعات آباء للأولاد وكبروا على الأرض السورية بلا معين نتيجة هذا الإجرام الاجتماعي والأخلاقي، لذلك كان لابدّ من أن تتدخل الدولة إنسانياً ولمعالجة هذه الحالة المستجدة لتأمين الوضع القانوني والصحي والتربوي لمجهولي النسب من جهة الأب غالباً ومن جهة الأم كأيتام نادراً بعد ولادتهم لأب مجهول الهوية، لذلك صدر المرسوم من أعلى جهة في الدولة حرصاً على دورها في التدخل لرعاية هؤلاء الأطفال وضمان التربية الصحيحة لهم خشية أن يقعوا أيضاً من جديد فريسة لبراثن الإرهاب والفكر التكفيري من جديد، ولإعادة دمجهم في المجتمع على أسس علمية وأخلاقية تتناسب مع مجتمعنا، لأن مجهول النسب قبل الحرب كان يلاقي أشد المعاناة ولكن نتيجة تفاقم الظاهرة كان لابدّ من تأمين جدار حماية منهم ولهم في آن معاً وعلى مسؤولية أجهزة الدولة جميعاً ونفقتها وتم التعامل مع الأمر بعيداً عن سياسة غض النظر والتجاهل، فالدولة تدرك مسؤولياتها تجاه الضحايا من أبنائها الذين لاحول لهم ولاقوة ولاذنب اقترفوه.
وسياسياً وعلى المستوى الدولي وشرعية حقوق الإنسان يؤكد المرسوم أن الدولة تمارس سيادتها على رعاياها بغض النظر عن موقعهم خاصة الأطفال في مثل هذه الحالات.
ارتقاء بالإنسانية إلى أعلى الدرجات
الباحثة الاجتماعية الدكتورة رشا شعبان وجدت أن الموضوع إنساني بحت وأن المرسوم حضاري يرتقي بالإنسانية إلى أعلى درجاتها، حيث إن الامومة والأبوة ليست حالة بيولوجية فقط بل رعاية وحماية.
وأتاح المرسوم التشريعي الفرصة للأسر الدخول على خط الرعاية والاهتمام ما يحمل دلالات واسعة وارتقاء بمفهوم الأسرة التي لم تتمكن من الإنجاب، لأن هناك من حرموا من الإنجاب وهم يستحقون ذلك ما يشكل منفعة متبادلة للطرفين لأب وأم يستحقان، وللطفل الذي لم يكن له ذنب أنه موجود، ومن حقه أن يحصل على الاهتمام والرعاية، ووجود أسرة تهتم بشؤونه هي حالة إرادية وأرقى من الحالة التي تأتي بشكل تلقائي.
وتوضح الدكتورة رشا أنه خلال الحرب زادت هذه الحالات التي تعد طارئة على مجتمعنا والقوانين والدساتير يجب أن تجاري الواقع ليحقق المرسوم التشريعي حالة حضارية وتطوراً كبيراً في القوانين الناظمة التي تراعي تغيرات المجتمع وهي مسألة مهمة حيث من حق الطفل أن يجد أسرة ترعاه، وأن يتوفر له ذلك، بما يضمن أنه لن يشذ عن المجتمع ولن يكون حاقداً عليه، حيث سجلت بعض الحالات في العالم كيف أن أطفالاً كبروا في ظروف فقد كامل من دون إثباتات ثم عادوا لينتقموا لكونهم لم يكن لهم أب وأم.
تؤكد الدكتورة رشا أنه بهذه الطريقة القانونية الواضحة والشاملة نهيئ بيئة نفسية واجتماعية وأخلاقية مهمة للطفل ولنموه النفسي، وكذلك لشعوره بالانتماء، لأن الطفل الذي ينتمي إلى أسرة ينتمي لوطن، والطفل الذي يترك بلا أب أو أم يفقد الانتماء لوطنه، بذلك ننمي مواطناً ينتمي لوطنه ويحب وطنه وينتمي لمجتمع.
وتبين أنه كل الأمم التي عانت من حروب كان من مخرجاتها تطوير قوانين تتناسب مع إيجاد حلول لمخرجات الحرب وتوظيفها إيجابياً وليس سلبياً.
مقتطفات
وتجدر الإشارة إلى أنه جاء في الفصل السابع من المرسوم التشريعي بند الالحاق ونصت المادة 29 منه على أن الإلحاق يهدف إلى رعاية الطفل مجهول النسب وتربيته والإنفاق عليه والاهتمام بشؤونه كافةً ضمن الأسرة البديلة من دون أن يترتّب على ذلك أي حق في النسب أو الإرث، أو في مؤسسة الرعاية.
وفي المادة 30: يلحق الطفل مجهول النسب بأسرة بديلة أو بمؤسسة رعاية بموجب عقد إلحاق، وتبين التعليمات التنفيذية وثائق وإجراءات الإلحاق في حين أكدت المادة 31 أنه يستمر عقد الإلحاق حتى إتمام الطفل مجهول النسب الثامنة عشرة من عمره، ويتم خلال تلك المدة متابعة شؤون رعاية الطفل الملحق عبر تقييم وضعه دورياً وتحدد التعليمات التنفيذية إجراءات المتابعة والتقييم.
و أكدت المادة 32 أنه:
أ. يلحق الطفل مجهول النسب الذي لم يبلغ السابعة من العمر بأسرة بديلة.
ب. يلحق الطفل مجهول النسب الذي بلغ السابعة من العمر فما فوق بمؤسسة رعاية.
ج. يلحق الطفل مجهول النسب بمؤسسة رعاية من دون التقيد بشرط العمر وفق الحالات المحددة في التعليمات التنفيذية.
وتكون العلاقة بين الأسرة البديلة والطفل مجهول النسب المُلحق بها محكومة بالضوابط والحدود الشرعية الواردة في قوانين الأحوال الشخصية وفقاً للمادة 33.
ويُشترط في الأسرة البديلة (الزوج والزوجة) طالبة الإلحاق الشروط الآتية:
أ. أن يكون كلاهما من حاملي الجنسية العربية السورية، أو من في حكمهما، ويُقيمان ضمن أراضي الجمهورية العربية السورية.
ب. أن يكون الزوجان مُتحدين في الدين مع الطفل مجهول النسب.
ج. ألّا يقل سن كل منهما عن ثلاثين عاماً، ولا يتجاوزان خمسة وخمسين عاماً.
د. ألّا يكون أيٌّ منهما محكوماً بجناية أو جنحة.
هـ. أن يكون قد مضى على زواجهما خمس سنوات على الأقل، وتكون المدة ثلاث سنوات إذا ثبت بشهادة صحية عدم القدرة على الإنجاب.
و. أن يثبت خلوّهما من الأمراض السارية أو المعدية أو من أي مرض قد يؤثر على صحة الطفل مجهول النسب وسلامته.
ز. القدرة على الإنفاق على الطفل مجهول النسب كما حددت المادة 34 من المرسوم التشريعي.