مجهول.. ولا يمكن تركه للمجهول!؟

تشرين-هبا علي أحمد:
جميعنا يتحدث عن الأطفال والطفولة بمشاعر رقيقة وعواطف كبيرة لما يمثله الطفل من براءة وحب ودفء يمنحنا إياه أكثر مما نمنحه نحن في الحقيقة.. فطاقة الحب والعاطفة نستمدها من الأطفال وليس العكس.
لكن هل تساءل أحدنا يوماً عن المعنى العملي والتطبيقي لمثل هذه الأحاديث والمشاعر؟.. بمعنى إذا وضع أمامنا طفل لاحول له ولا قوة كيف في استطاعتنا أن نتعامل معه؟ هل نخضع لتساؤلات من هو؟ ومن أين؟ ومن والداه؟ وبناء عليه نعتني به أو لا نعتني إن كنا في موقع المسؤولية.. أم نطبق فعلاً ما نتحدث عنه حيث يكون القول مقروناً بالعمل.
نسوّغ ونتفق إلى حد ما أو حد وسطي مع كم الأفكار التي تعترينا تجاه الأطفال راهناً، ومع كم الأفكار التي تعتري الكثير منا لاحقاً عندما يشب أولئك الأطفال، ويطرقون أبواب الحياة الاجتماعية على نحوٍ خاص، ولا سيما أننا نعيش حالة حرب وجدنا أنفسنا مضطرين للتعامل مع مفرزاتها والتي كان أحدها وأهمها وأصعبها في آنٍ معاً، قضية الأطفال مجهولي النسب – وهم من نعنيهم ونقصدهم هنا تحديداً- إن كان الطفل مجهول الأب والأم، أو أحدهما، كما قلنا نتيجة ظروف الحرب ومآسيها التي يصعب ذكرها لما تسببه من آلام من الصعب شفاؤها في الوقت عينه لأن جراحها عميقة وتحتاج وقتاً طويلاً.
الآن نحن أمام تلك المفرزات.. فماذا نحن فاعلون؟ الفعل الأول والأهم أتى من السيد الرئيس بشار الأسد عبر المرسوم التشريعي رقم 2 للعام 2023 الخاص برعاية وتنظيم شؤون الأطفال مجهولي النسب، ليكون الركيزة الأساس في حماية الطفل لمجرد أنه طفل وللعمل من أجل مستقبل البلد.
ولا يمكن النظر إلى المرسوم على أنه وليد لحظته، بل هو نتاج لسنوات من العمل والجهد والدور الاجتماعي للدولة السورية الذي لم يتوقف يوماً، بل سار جنباً إلى جنب مع الدور السياسي والاقتصادي لأهمية الملفات مجتمعة، لذلك شكل هذا الأمر على الدوام جوهر رؤية السيدة الأولى أسماء الأسد في كل ما يتعلق بمستقبل سورية.. المستقبل الذي نتطلع إليه لا بد من أن ينطلق من الطفل ومن بنائه ، صحياً، تعليمياً، مجتمعياً، تشريعياً، بما يحمله هذا البناء والاهتمام بالطفل من أهمية إنسانية وأخلاقية واجتماعية وقانونية أيضاً، تصب في خدمة الجميع في إطار الدولة ومؤسساتها.

عندما نتطّلع إلى المستقبل، ونقدم الحلول والاقتراحات، بشأن كيف يجب أن يكون الغد، أيّ غد ما بعد الحرب تحديداً، فلا يمكن تجاهل أحد الأمور، بل يجب التفكير بكل القضايا مجتمعةً، وهو ما يبنى عليه كفعلٍ واجبٍ وضروري.. حتى يمكن عدّ قضية مجهولي النسب قضية تحتاج تسوية شأنها شأن ملف تسوية أوضاع المطلوبين والفارين من المدنيين والعسكريين، بل يمكن عدّ قضية الأطفال مجهولي النسب أولوية، لماذا؟
إن اتفقنا أو اختلفنا لعدة اعتبارات، وأياً تكن، فلا يمكن ترك أطفال نشؤوا في ظل الحرب وفقدوا ذويهم أو هم تخلّوا عنهم، للمجهول، فعدم تركهم يشكل ضماناً إنسانياً واجتماعياً وبما يخدم البلد، ولا سيما أننا في سياق التعافي، أي التحضير لبناء ما دمرته الحرب والتحضير للمستقبل.
تركهم للمجهول، يعني تهيئتهم بطريقة غير مباشرة للجريمة والتعاطي والتسوّل والسرقة لينتهي بهم الأمر في أفضل الأحوال إلى الأحداث، ولا ندري بعدها إن سيتعلم الطفل من أخطائه أم سيَعُود لطريق الجريمة، وفي أسوأ الأحوال يقع في أيدي من يتاجر بالأطفال أو يجنّدهم ويعدّهم ليكونوا حطباً لزعزعة استقرار الدولة من جديد ولتنفيذ عمليات إرهابية، مقابل وعود وأوهام وجدت طريقها لهم لأنهم تركوا للمجهول، وأيضاً تركهم يعني تفشي ظاهرة عمالة الأطفال.. بالمختصر تركهم يعني استغلالهم من قبل الآخرين أبشع استغلال، ويعني أيضاً النظر لهم بعين الشفقة عند رؤيتهم يتسولون ويمدون يد الحاجة لنا للحصول على فتات طعام أو ماء ونقود إن حصلوا عليها.
في المقابل، عدم تركهم للمجهول يعني بناء جيل سويّ أخلاقياً، متعلم، ويكون جزءاً من أدوات بناء المجتمع والدولة، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، يساهم في البناء بدل أن يساهم في التدمير، يساهم في رسم الخطط للمستقبل بدلاً من أن يحارب المستقبل.. يعي واجباته كما يعي حقوقه.
قد يجادل البعض بأن ذلك أيضاً من أنواع الاستغلال، كما قد يستغلهم الآخرون، لكن ما الضير إن كان استغلالاً لمصلحتهم، لمصلحة تنشئتهم نشأة بعيدة عن إغراءات الطريق المزيفة والمضلّلة، لمصلحة المجتمع والسلام والأمن الدائمين.
موضوع الطفل موضوع شائكٌ ومعقد في الأساس، ويحتاج رعاية واهتماماً ومتابعة دائمة، فكيف إن نشأ الطفل في بيئة مضطربة بفعل الحرب؟ كيف إن وجد نفسه دوناً عن أقرانه بلا أب وأم؟.. الحل ليس بالصراخ والوقوف في المكان والتفكير بمحاسبة من لا ذنب له سوى أن قدره ساقه إلى الحياة في ظروف لم يخترها، ومن أب وأم لا يعرف من هما ..الحل في التكاتف والاحتواء والاحتضان كجزء أساس من النهوض بسورية وبناء مجتمع سليم معافى.

أقرأ أيضا:

سورية الدولة تستعيد دورها الاجتماعي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
ندوة فكرية ثقافية عن "النقد والنقد الإعلامي" في ثقافي أبو رمانة السفير الضحاك: سياسات الغرب العدائية أضرت بقدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر ودعم الشعب السوري مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة دور المرأة المقاومة في تعزيز الانتماء وتحصين الهوية