الفنونُ المظلومةُ.. مرتبطةٌ بحيويّة المجتمع
تشرين-هدى قدور:
احتج كتّاب السيناريوعلى واقعهم الصعب؛ فهم لا يمتلكون نقابة، ولا وجود لقوانين تحميهم من تحكم أصحاب رؤوس المال في شركات الإنتاج، كما أنهم كثيراً ما يعترضون على هضم الحقوق بعد كتابة المسلسلات، فيضيع نصف المبلغ المتفق عليه أو أكثر!. تلك الحالة كانت مناسبة لطرح موضوع الفنون المظلومة التي لا يمكن أن تكون مصدراً للعيش في بلداننا بسبب عدم التطور والفقر وضعف القوانين وغيرها من الأسباب التي تختلف بين حالة وأخرى.
منذ مدة نشر أحد الفنانين التشكيليين معاناته المادية بسبب عدم الإقبال على شراء اللوحات نتيجة الركود الاقتصادي وانخفاض مستوى الدخل، فالفنان المتفرغ لا يمكنه العيش إذا لم يتمكن من تسويق لوحاته بالشكل المطلوب، وهذه قضية تطرح أيضاً اضطراره لمراعاة شروط السوق والموضات الرائجة لصالات العرض التي تفضل موضوعات معينة وألواناً محددة وأفكاراً بعينها.
الكتّاب لهم النصيب الأكبر من المظلومية، فهم غير قادرين على طباعة كتبهم نتيجة ارتفاع التكاليف، ويعانون كثيراً مع دور النشر التي تميل لتبني الكتب المرغوبة من القراء، فالشعر مثلا في آخر اهتمامات الناس في هذه المرحلة البصرية التي تتغلب فيها الصورة على النصوص، حتى الرواية تعاني رغم سوقها العالمي الرائج، نظراً لعدم تبني التجارب الجديدة وطغيان أصحاب الأسماء المكرسة عالمياً..أما الإعلاميون فيأتون في رأس قائمة المظلومين في الدول النامية، من ناحية القوانين التي تنظم عملهم والأجور التي يتلقونها مقابل الكتابة، إضافة إلى تحكم المنابر الإعلامية والسياسات التحريرية بفحوى المادة المكتوبة وإلزام الكاتب بعناوين محددة.
قائمة الفنون المظلومة تمتد أكثر، فتصل إلى المسرحيين الذين يعانون انخفاض الأجور وهجرة الفنانين إلى التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، بل إن البعض يتوقعون انقراض بعض الفنون في السنوات القادمة نتيجة الاهتمام الكبير باليوتيوب وغيره من المواقع التي تقدم المال مقابل المتابعات الكبيرة، فعلى خشبة المسرح لن نجد سوى المشغوفين بالعمل المسرحي الذين يصرون على متابعة الطريق سيراً وراء عشقهم وهاجسهم الذي لا يمكن أن يقاوم.
من الصعب اتخاذ إجراء معين لرفع الحيف عن الفنون المظلومة، فالقضية مرتبطة بتطور المجتمع وتوفر البنية التحتية وارتفاع مستوى دخل المواطن وثقافته، وتالياً فإن الحلول المنتظرة لرفع الظلم عن الفنون لن تكون قريبة بالتأكيد.
تغيب الفنون الإبداعية وتنحسر لمصلحة فنون الاستعراض والأداء العابر السريع بلا عمق أو مضمون كبير، ويحصد صاحب فيديو لا تتجاوز مدته دقيقة، آلاف الإعجابات والمتابعين، بينما تعاني الكتب واللوحات التشكيلية الكساد والإهمال.. إنها الفنون المظلومة التي يمكن عدّها مقياساً لتطور المجتمعات، فكلما كانت تلك الفنون رحبة مرتاحة كان المجتمع يضجّ بالحيوية والإبداع.