«عرش» أردوغان يهتز.. فهل يسقط في حزيران
تشرين- رحيم هادي الشمخي:
جلّ مخاوف رئيس النظام التركي رجب أردوغان “الانتخابية” تتركز شرقاً وليس غرباً.. أما الداخل فحديث آخر.
فعلياً لم يبدأ السباق الرئاسي في تركيا، ما زالت تفصلنا عنه ستة أشهر، لكن أردوغان بدأه مبكراً، ورغم أن الـ«ستة أشهر» هي زمن طويل بالقياس إلا أنها ليست كذلك بالنسبة لأردوغان الذي لا يبدو واثقاً من حظوظه الانتخابية، حيث رياح الداخل تعاكسه، وتتلاقى معها رياح الإقليم، لتجري بما لا تشتهي سفنه.
يخشى أردوغان أن يسبقه الزمن الانتخابي قبل أن يكمل استدارته في الإقليم، حيث ما زال ينشد وصل ما انقطع من علاقات في زمن مايسمى «الربيع العربي» المشؤوم، مع ذلك لا يبدو واثقاً من نجاحه، هذا النجاح ليس كما يريد، وليس بالقدر الذي يمكن استخدامه كورقة انتخابية مؤثرة، ما زالت سورية هي أساس نجاح واكتمال الاستدارة، وإذا لم ينجح هنا، تسقط هذه الاستدارة برمتها. سورية هي الجغرافيا الأقرب والأهم والأكثر تأثيراً، وإذا سقطت هذه الاستدارة يسقط معها أردوغان، أو لنقل إن أردوغان سيحتاج إلى معجزة للفوز.
يُعول أردوغان على الزمن الطويل المتبقي للانتخابات المقررة في حزيران المقبل. يوسع خطواته باتجاه سورية وينشد علناً التقارب معها، يداور ويناور ويطلب الوساطات، ويَعد بتركيا مختلفة، سورياً، في حال فوزه، ولكن حتى الآن لم يحصل سوى على رجع صدى، فأن تبدأ حرباً ليس كما تنهي حرباً، الحروب تنتهي وفق المجريات والتطورات والتحالفات، ووفق إدارة هذه الحرب حسب المجريات والتطورات والتحالفات، وهذا ما لم تجده إدارة أردوغان.
هذا الوضع يتشابك مع وضع داخلي هو الأعقد بالنسبة لأردوغان وحزبه، ليس فقط لأن شعبيته تهوي وفق استطلاعات الرأي، بل لأن المعارضة، هذه المرة، تتكتل وتتوحد بمواجهته، وبصورة لم يعهدها من قبل، ولدرجة يرتبك معها، فيَعمَد إلى المغامرة بأوراق هي سيف ذو حدين، كما هو الحال في قضية اعتقال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية اسطنبول، والقيادي البارز في حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، صاحب الشعبية الكبيرة والأوفر حظاً لمنافسة أردوغان.
قيل الكثير في قضية اعتقال إمام أوغلو، وسيُقال الكثير، حيث الاعتقاد يتركز على أن مسألة إزاحة إمام أوغلو لن تنتهي بالاعتقال، هذه قضية ستشهد تطورات كبيرة، وستتحول إلى قضية رأي عام تستخدمها المعارضة بصورة مكثفة ضد أردوغان، خصوصاً إذا ما قررت التكتل حول إمام أوغلو واختياره مرشحاً لها. هذه قضية سياسية بامتياز وفق استطلاعات الرأي، ولن ينفع أردوغان التعمية على دوافعها وأهدافها.
عقب الحكم، احتشد آلاف الأتراك في ساحة وسط اسطنبول دعماً له، وخاطب إمام أوغلو المحتشدين بقول: «لست خائفاً مطلقاً من حكمهم غير الشرعي».. مضيفاً: «لا أملك قضاة لحمايتي لكن خلفي 16 مليوناً من سكان اسطنبول وأمتنا».
وحسب الاحصاءات فإن هذا الحشد فاق بعدده ما يحشده أردوغان وحزبه خلال التجمعات الأسبوعية التي يقيمها في إطار حملته الانتخابية، وهذا ليس بخبر جيد له.
.. وفعلياً فإن العين على إمام أوغلو، منذ أن فاز برئاسة بلدية اسطنبول في انتخابات 31 آذار 2019 بمواجهة مرشح حزب أردوغان- حزب العدالة والتنمية- ورغم أن حزب أردوغان مارس ضغوطاً وتهديدات كبيرة على اللجنة الانتخابية لتعيد الانتخابات في اسطنبول إلا أن نتيجة الإعادة بقيت نفسها، وهي فوز إمام أوغلو وبأصوات أعلى بكثير مما فاز به في المرة الأولى، وبما أجبر أردوغان على ابتلاع لسانه والقبول بالنتيجة، لكن إمام أوغلو من وقتها بات تحت عين وسمع أردوغان وحزبه.. ومن المعروف كم هي مهمة بلدية اسطنبول في المستقبل السياسي لأي مرشح، حتى يُقال إنها طريق الحكم والسلطة.
لكن- وحسب فريق واسع من المراقبين- فإن أردوغان حسبها جيداً، وهذا الاعتقال مدروس بعناية، لأنه اعتقال من دون قرار قضائي نهائي، القضاء الذي هو موالٍ لأردوغان، قد يصدر حكمه النهائي قبل أيام من الانتخابات، فيسقط ترشيح إمام أوغلو تلقائياً، لأن الحكم سيحرمه من حقوقه السياسية، وبالتالي لا يبقى سوى أردوغان الذي سيفوز بالتزكية، لذلك يُقال إن المعارضة «التي لم تعلن مرشحاً لها بعد.. كما أن إمام أوغلو لم يعلن بعد نيته الترشح» لا تستطيع التعويل كثيراً على مسألة إمام أوغلو وستذهب إلى مرشح آخر، على أن تُبقي الضغط والتصعيد باتجاه تحويل الاعتقال إلى قضية رأي عام باعتبارها قمع للحريات وتكريس للنظام الاستبدادي الذي ينتهجه أردوغان بالضغوط والتهديد واعتقال كل من يعارض أو يرفع صوته بالانتقاد.
لقد حول أردوغان تركيا إلى «امبراطورية للخوف» حتى إن المعارضة باتت تقول إنها تخوض الانتخابات- ولو لتحقيق هدف واحد فقط – وهو القضاء على أردوغان وإبعاده نهائياً عن السلطة التي يهيمن عليها منذ عام 2002 كرئيس للوزراء أولاً، ثم كرئيس بصلاحيات مطلقة في عام 2018 بعد تغيير دستوري ما زال يثير الجدل والانقسام.
مع ذلك يبقى أكثر ما يقلق أردوغان وحزبه هو الوضع الاقتصادي الذي يسجل أرقاماً كارثية، حيث الانهيارات المتتالية لقيمة العملة، والارتفاع القياسي في معدل التضخم الذي تجاوز عتبة الـ85% وفق البيانات الرسمية، فيما ترتفع هذه النسبة إلى الضعف في بيانات الخبراء المستقلين. أما البطالة فقد تخطت حاجز الـ 10%. هذه الأرقام تأتي رغم السياسات النقدية الصارمة التي فرضتها حكومة أردوغان.
لكن هذه الأرقام بقدر ما هي سيئة لأردوغان، هي سيئة أيضاً للمعارضة، بمعنى أنها لا تعزز من حظوظها الانتخابية، فهي كما الحزب الحاكم لا تمتلك خطة حقيقية للنهوض بالاقتصاد، وعليه فهي لا تستطيع المراهنة هنا، بقدر ما تستطيع المراهنة على قضايا سياسية /داخلية وإقليمية/.
لو عدنا سنوات قليلة للوراء، تحديداً إلى عام 2019، لرأينا تأثير الاقتصاد في السلوك الانتخابي عندما خسر حزب أردوغان جميع المدن الكبرى في أعقاب تراجع الأوضاع الاقتصادية وارتفاع التضخم، واليوم، يبدو الوضع مشابهاً، لا بل أسوأ في ظل تعثر الاستدارة التركية في المنطقة، وتصاعد التوترات مع المحيط، وآخرها مع اليونان، وفي ظل انعكاسات الأزمات الدولية وآخرها أوكرانيا.
مع ذلك وعلى قاعدة «البحث عن فرض داخل الأزمات» توجه أردوغان إلى الشعب طالباً «دعمه للمرة الأخيرة» قبل أن «ينقل الراية إلى الأجيال الشابة» حسب قوله في الـ10 من الشهر الجاري، متحدثاً عن إطلاق ما سماه «القرن التركي» في العام المقبل 2023، ما استدعى سخرية المعارضة التي ردت بأن أردوغان يخطط لحكم تركيا لمئة عام قادمة.
بكل الأحوال، الجميع يحشد على جبهة الاستعداد للسباق الرئاسي، وفيما يحشد الحزب الحاكم بقيادة أردوغان على قاعدة البحث عن فرص داخل الأزمات، تحشد المعارضة على قاعدة أن هزيمة أردوغان باتت في متناول اليد.. فهل تحقق هدفها في حزيران المقبل؟
أكاديمي وكاتب عراقي