“أُفّ”

في قديم الزمان كان لكلمة “أُفّ” معنى بسيط يفيد التأفُّف والاستنكار، كما تشير الكثير من مراجع اللغة العربية والسرديات السابقة على عصرنا الحالي، لكن صديقي “أبا خاطر” اكتشف لها فوائد جمّة، وبات يستخدمها في حياته اليومية بشكل كبير، بحيث إنها باتت بالنسبة له كالعصا السحرية التي تُقدِّم له إجابات وتزيح الغموض كأنها إحدى بوابات المعرفة الثَّرَّة.
بدأت القصة مع أبي خاطر، عندما كان ضمن جلسة عائلية، واشتكت إحدى السيدات من زوجها وعدم معرفته بمدى تغيُّر أسعار حاجيات المنزل، وحجَّته في ذلك أنه سيلبي طلبات زوجته ويشتري ما تريده، بغض النظر عن ارتفاع سعرها من عدمه، فهي لن تطلبه إلا إن كان ضرورياً وحاجتها له ماسّة، سواء أكان ذلك يتعلق بطعام المائدة أم منظفات المنزل أم الملابس وغير ذلك.
وبعد أن أصغى صديقي بتمعُّن إلى تلك الشكوى الأنثوية والرد الذكوري عليها، حينها تدخَّل قائلاً: لقد كنت مثلك لا أعرف “الطيخ من البطيخ”، لكنني وجدت الحل سريعاً، فما إن أدخل إلى دكان البقالة مثلاً وأسأله كم سعر كيلو البرتقال؟ ويجيبني بكذا. حينها أنتفض بكلمتي السِّحرية “أُف”، فيردف البقال بالقول: كان البارحة بكذا واليوم ارتفع إلى كذا والسبب هو “كيت كيت”، بمعنى أنني بكلمة واحدة عرفت سيرورة سعر البرتقال وتغيرات بورصته والدوافع الأساسية وراء ذلك. وبالطريقة ذاتها أعرف بورصة اللبنة والجبنة والمحارم وسائل الجلي والقهوة ومسحوق الغسيل والفروج والسكر وغيرها.
ولأزيدك في الطنبور نغماً، كلمة “أُفّ” تساعدني في معرفة مدى السرعة التي يبتغيها مديري في إنجاز العمل، فما إن يطلب مني أي شيء حتى أبادره بها، فيسرد لي حيثيات الموضوع وضرورات إتمامه والأسباب الظاهرة والكامنة لذلك.
وأيضاً ما إن ألفظ الـ”أُفّ” الخاصة بي في المنزل حتى يرتدع الجميع، ويعرفون أنني وصلت إلى مرحلة ما قبل الانفجار، فيمتثلون للصمت أو لتغيير الموضوع، أما إن مَدَدْتُها ولحَّنتُها لتُصبح “أووووووف”، حينها يعلمون أنني ما بعد النيرفانا ولن يستفيدوا شيئاً من “سقِّهِم ونَقِّهِم”.
“ومتى سينتهي هذا النفق الذي نعيش فيه بلا كهرباء ولا وقود ولا ضبط أسعار ولا رفع رواتب ولا مواصلات…؟” سأل أحد الحاضرين، فما كان من أبي خاطر إلا أن فاجأه بصوت جهوري حاسم بـ”أُفّ” “أُفّ” “أُفّ” “أُفّ” “أُفّ” “أُفّ” “أُفّ” “أُفّ” “أُفّ” وفقعت مرارة الحاضرين من الضحك الممزوج ببكاء مكتوم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار