مسرحية “حكي جرايد”.. لوحات إخبارية بدراما غير كلاسيكية
تشرين-نضال بشارة:
ضمن احتفالية اليوم العالمي للعمل التطوعي عرضت مسرحية “حكي جرايد”، تأليف وإخراج زين العابدين طيّار، وذلك على خشبة مسرح قصر الثقافة بحمص. لجأ فيها المخرج إلى ما بات يلوذ به بعض المخرجين الذين يحاولون الكتابة بعد نجاحهم في إخراج نصوص قوية فكرياً وفنياً، فيكتبون لوحات، يجهدون بربطها بخيط درامي، وذريعتهم الأساسية في تقديم تلك اللوحات أن فريقهم التمثيلي من الشباب الذين يقفون للمرة الأولى على خشبة المسرح، وأن اللوحات هي الخيار الأفضل لإمكانياتهم.. فعرض “حكي جرايد” هو نتاج ورشة عمل مع دورة المسرح التفاعلي التي أقامها المخرج في مركز “درب” التابع لدائرة العلاقات المسكونية والتنمية، وقد جاء بعد عرضين جيدين قدمهما المخرج زين للمسرح القومي.
وفي ضوء خيار اللوحات نلاحظ كمتفرجين أن النتائج تأتي متفاوتة طبعاً بين مخرج وآخر، وحتى بين لوحة وأُخرى لدى المخرج ذاته، كما في هذا العرض الذي يبهرك بقوة حضور الفريق التمثيلي المكون من (ندى جوخدار، هبة عيد، لانا الدبس، علي الصالح، محمد عيسى، يزن محمد، سليم ناصيف، سومر مخول)، والقادم من تدريب جيد ومن امتلاك بعض أعضاء هذا الفريق المكون من ثمانية ممثلين، ثلاث إناث، وخمسة ذكور، ليس جميعهم يقف للمرة الأولى على الخشبة، فبعضهم لديه أكثر من مشاركتين سابقتين، ومن الشكل الذي رسمه المخرج لتجسيد اللوحات، إذ يُتلى الخبر من قبل ممثل أو ممثلة بعد صافرة، فينحو الفريق بعد ذلك لتجسيده كمقاربة من وجهة نظر المخرج.
ومن عوامل الإبهار أيضاً، خيارُ المخرج للون اللباس الموحد، إذ اعتمد اللون الأحمر الذي له سطوته على العين والنفس، وتكتمل سينوغرافيا العرض مع إكسسوارات قليلة جداً، ترومبيت، وطبلة، وأهرامات خشبية ثلاثة، مع دلاء حديدية تُضاء حين الحاجة، وبعض الصحف، وصافرةٌ يستخدمها كل ممثل أو ممثلة يقع عليه خيار قراءة الخبر الذي يعلن بدء لوحة جديدة، وباجتراحات فنية جميلة، واعتماد الصحف كأرضية وخلفية للفضاء المسرحي، ليساهم كل ذلك بسطوة على المتفرجين الذين قدم لهم المخرج لوحاته التي خلط فيها بين الكوميدي الساخر والتراجيدي، رغم أننا لم نشهد ما هو جديد في توظيف بعض الأغاني المعروفة بالنسبة لنا، درامياً، فأحياناً كانت الأغنية فاعلة أكثر من اللوحة، وافتقدنا أحياناً سلاسة الانتقال من لوحة إلى أخرى، حتى إن لوحتين على الأقل يمكن حذفهما من دون أن يتأثر العرض، أو مقاربة ما طرح فيهما بشكل آخر.
تكسّر الأحلام
حاول المخرج من خلال ما قدمه من لوحات تسليط الضوء على معاناة جيل الشباب تحت سطوة الواقع المعيشي التي تتفاقم يوماً عقب يوم، وتكسر أحلامه وأحلام بقية أفراد المجتمع سواء من الناحية المادية أو العلاقات الاجتماعية البائدة، أو فقداننا للهفة مساعدة الآخرين لأسباب غالباً خارجة عن إرادتنا، وانغلاق الأفق أمام الجميع خاصة الشباب، وبقاء باب الهجرة الوحيد منذ بدء الحرب كخلاص أودى بكثيرين للموت ولايزال، ومحاولة إحدى اللوحات إشعال نار التمسك بالبلد والنأي عن فكرة الهجرة، لعلنا نستطيع تأهيل الحياة من جديد.. كل ذلك جسّده فريق التمثيل بأداء حيوي ورشيق حقق متعةً للمتفرجين، نأمل أن نراهم في عرض آخر يجسّدون فيه شخصيات تتنامى وفق شروط درامية أثرى، لنرى اختمار قدراتهم الأدائية في تجسيد الأبعاد النفسية والفكرية والشعورية، لأنهم يعدون بالكثير، فهنيئاً لهم ولمركز “درب”، ولنا أيضاً.
الفنيون:
تنفيذ موسيقا: كرم السعيد، تنفيذ إضاءة: روان شدود، مكياج: دانيال سويد، مدير منصة: سارة صافتلي، مساعد مخرج: جوزيف شماس.