«كنوز مهدورة» وجهود تضيع على رفوف المستودعات.. هل بدأنا فعلاً استثمار أبحاث طلّاب الدراسات العليا في الجامعات السورية ؟
تشرين – آية محمد:
ليست بضع وريقات ينجزها طالب الدراسات العليا، ونصفّق له بعد أن نمنحه العلامة اللائقة… بل رسائل الماجستير والدكتوراه هي أبحاث علمية حقيقيّة ” متعوب عليها” كما يعلم الجميع، لكن قد يكون من التعسّف الإلقاء بها على رفوف الكليات الجامعية وتركها نهباً للغبار و ” العت”..
ثمة خيارات جرى الحديث عنها مطولاً للاستفادة من هذه الأبحاث في العمل العام، حسب الاختصاص الجامعي المرتبط بقطاع تنفيذي يناظره على الأرض… فبين الأكاديمي والتنفيذي ثمة فجوة لابدّ من ردمها، ردمها فعلياً وليس على شكل أقوال وتصريحات.. ليمسي السؤال اليوم: إلى أين وصلت جامعاتنا بربط أبحاثها باحتياجات المجتمع والمؤسسات التنفيذية؟
يكبر هذا السؤال أمام التطورات و”النجاحات” والآفاق الجديدة التي تعدنا بها مختلف وزارات الدولة، والمعروف في كل دول العالم أن نجاح البحث العلمي يتحقق، كصدىً و أثر، من خلال اعتماده على خدمة المجتمع، أي العمل على وضع التكنولوجيا وتطوراتها في خدمة التنمية المستدامة، عبر توجيه وتطبيق الرسائل العلمية “الدكتوراه والماجستير” لمعالجة مشكلات المجتمع، ووضعها في خدمة المؤسسات والوزارات في الدولة، كذلك ربط البحوث الجامعية بمتطلبات المجتمع، ولكن.. أليس هناك بعض المقومات والمشكلات التي تسبب في تأخر الأبحاث سواء من الباحثين أنفسهم أو من المؤسسات المستفيدة من هذه الأبحاث.. والمهم من يدعم هذه الأبحاث ويمولها غير الطالب ذاته ؟.
انعطافة مطمئنة
في الرد على تساؤلاتنا، يبين الدكتور عمار التركاوي أستاذ القانون في جامعة دمشق- رئيس قسم القانون العام في كلية الحقوق في إجابته لـ”تشرين”: إن كلية الحقوق في جامعة دمشق اعتمدت نظاماً جديداً للدراسات العليا بدءاً من العام الدراسي ٢٠١٩/ ٢٠٢٠، وقد صدر بقرار مجلس التعليم العالي رقم /١٩٩/ تاريخ ٤/٧/٢٠١٩، كما اعتمدت نظاماً جديداً لماجستيرات التأهيل والتخصص بدءاً من العام الدراسي ٢٠١٩/٢٠٢٠، وقد صدر بقرار مجلس التعليم العالي رقم/٢٠٠/ تاريخ ٤/٧/٢٠١٩.
د. التركاوي: يتم التركيز على ضرورة تسجيل رسائل الماجستير والدكتوراه في موضوعات مبتكرة وأصيلة، ولم يسبق التطرق لها ومحاولة الوصول إلى حلول واقعية للمشكلات البحثية المثارة
ويتضمن نظام الدراسات العليا – وفقاً لرئيس قسم القانون العام – خمسة تخصصات؛ القانون العام- القانون الخاص- القانون التجاري- القانون الدولي- القانون الجزائي، أما نظام ماجستيرات التأهيل والتخصص فيتضمن خمسة تخصصات أيضاً هي: ماجستير التأهيل والتخصص في القضاء والمحاماة- ماجستير التأهيل والتخصص في العلوم الإدارية والمالية – ماجستير التأهيل والتخصص في القضاء الجزائي- ماجستير التأهيل والتخصص في إدارة العلاقات الدولية والدبلوماسية – ماجستير التأهيل والتخصص في قانون الأعمال .
وتهدف الدراسات العليا في كلية الحقوق إلى إعداد الباحثين القانونيين وتأهيلهم لخدمة المجتمع، حيث يتم التركيز على ضرورة تسجيل رسائل الماجستير والدكتوراه في موضوعات مبتكرة وأصيلة ولم يسبق التطرق لها ومحاولة الوصول إلى حلول واقعية للمشكلات البحثية المثارة.
وفي بداية كل عام دراسي يتم اعتماد بعض المحاور البحثية في الأقسام العلمية ويراعى في وضعها أهميتها النظرية والتطبيقية وتحقيق الاستفادة منها في سوق العمل ويتم الاختيار من ضمن هذه المحاور البحثية.
ويضيف الدكتور التركاوي أنه نظراً لأهمية البحث العلمي
فقد صدرت القرارات الناظمة للتسجيل في درجة الدكتوراه ومن ضمنها ضرورة وجود جهة داعمة للمشروع البحثي وقد تكون هذه الجهة (وزارة – هيئة عامة – مؤسسة عامة – مؤسسة بحثية) تبنت مشروع البحث وتقدم الدعم اللازم للباحث سواء في تسهيل مهمته البحثية أو في تقديم دعم مالي لإنجاز البحث في أكمل صورته كي يتم الاستفادة منه مستقبلاً وتوظيفه لخدمة المجتمع .
أساتذة في الهندسة: من الممكن تفعيل الشراكة بين الجامعة ومؤسسات القطاع العام والخاص من خلال اقتراح طلاب مشاريع التخرج وطلاب الماجستير والدكتوراه فكرة مشاريعهم من التحديات والمشكلات المطروحة بالقطاع العام والخاص
من النظري إلى العمليبالنسبة لرسائل الماجستير والدكتوراه في كلية الحقوق يرى د. التركاوي أنه يجب عدم تسجيل الرسائل ذات البعد النظري فقط، بل يجب الجمع بين الجانب النظري والجانب العملي والتطبيقي، وخصوصاً أننا في المرحلة القادمة مقبلون على مرحلة إعادة الإعمار في بلدنا الحبيب وهي مرحلة دقيقة وحساسة بحاجة لتضافر جميع الجهود لإعادة البناء حيث يمكن الاستفادة من نتائج البحوث العلمية التي تقدم في خدمة التنمية الاجتماعية.. و يجب التركيز على الطالب فهو ثروة الأمة الحقيقية إضافة إلى تحسين الواقع المعيشي لأساتذة الجامعات وتأمين المتطلبات البحثية اللازمة للارتقاء بالبحث العلمي وتحقيق أفضل النتائج سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي.
شراكة فعّالة
يجمع الأساتذة في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق لـ(تشرين)، على أنه من الممكن تفعيل الشراكة بين الجامعة ومؤسسات القطاع العام والخاص من خلال اقتراح طلاب مشاريع التخرج وطلاب الماجستير والدكتوراه فكرة مشاريعهم من التحديات والمشكلات المطروحة بالقطاع العام والخاص، والاستفادة من البيانات المتوفرة لدى القطاع العام والخاص في مشاريعهم.. بما يعود بالفائدة على الجامعة والمؤسسات الحكومية والخاصة .
فكرة تنسيق ولجان مشتركة
ومن الممكن تطوير هذه العلاقة أو الشراكة لتشمل تبني المؤسسات للمشاريع المميزة والتطبيقية وذلك بالتنسيق بين إدارة المؤسسات وخبرائها مع إدارة وأساتذة وطلاب الجامعة، لما لهذا التنسيق من أهمية في تعزيز الثقة بين الطرفين لتأتي مخرجات المشاريع تلبية للاحتياجات سوق العمل بالمؤسسات..
د. التركاوي: في بداية كل عام دراسي يتم اعتماد بعض المحاور البحثية في الأقسام العلمية ويراعى في وضعها أهميتها النظرية والتطبيقية وتحقيق الاستفادة منها في سوق العمل ويتم الاختيار من ضمن هذه المحاور البحثية
هذا التنسيق من الممكن أن يتم من خلال تنظيم لجان مشتركة من خبراء الجامعة والمؤسسات بالإشراف على المشاريع وعقد لقاءات دورية بينهما، بهدف الإشراف المشترك إلى تقريب أولويات واجهات النظر المختلف من مخرجات وأهداف مشروع التخرج أو الماجستير والدكتوراه بما يلبي متطلبات أكاديمية للجامعة ومتطلبات تطبيقية ومهنية للمؤسسات، بالإضافة إلى توحيد الجهود وتحديد الأدوار والمسؤوليات وتوفير الوقت المستغرق خدمة لأهداف ومخرجات المشروع .
تمويل
كما يتوجب على المؤسسات توفير متطلبات الطلاب من مشاريع تخرج وطلاب بحث ماجستير ودكتوراه، وتوفير الدعم والتمويل لهم بما يعود بنتائج هذه الدراسات وعوائد الأبحاث بالفائدة الاقتصادية على المؤسسات وذلك من خلال تأسيس وحدات عمل داخل المؤسسات لتحويل الأفكار والابتكارات إلى نماذج وبرامج قابلة للتطبيق والتسويق لتكون نواة المشاريع كبيرة.
وأوضح الأساتذه لـ ” تشرين” أن الكلية اعتمدت مجموعة من المحاور البحثية الرئيسة، والجهات الشريكة التي ممكن أن تقدم الدعم الفني لإنجاز الأبحاث. وتكون مهمة البحث تطوير طرق أو إيجاد وسائل للمساعدة في إيجاد حلول للعقبات والمشكلات التي تتطلب تلك الجهات المساعدة في حلها .
في خدمة التنمية
من جانبه بيّن الدكتور ماهر مصطفى من كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق، أن كلية الهندسة المدنية كلية تطبيقية، وموضوع البحث، فيه منهجية علمي، والخطة البحثية تبدأ من اختيار المشكلة العلمية التي يفترض أن تواجه أي مؤسسة من المؤسسات، والبحوث دائماً يجب أن تكون منتجة لتحصل على نتيجة، وإن الشركات في كل مجالات عملها تعاني من مشكلات مادية ويفترض أن تتصدى لها مراكز البحوث، وأهم مركز هو الجامعات، وهناك مشكلات علمية تواجه أحد القطاعات فإذا استطعنا معالجة هذه المشكلة من قبل الباحث، فبالتالي نتائج البحث يتم تنظيمها لصالح حلّ هذه المشكلات والإنفاق المالي يفترض أن يخدم العملية البحثية دائماً.
يتوجب على المؤسسات توفير متطلبات الطلاب من مشاريع تخرج وطلاب بحث ماجستير ودكتوراه وتوفير الدعم والتمويل لهم بما يعود بنتائج هذه الدراسات وعوائد الأبحاث بالفائدة الاقتصادية على المؤسسات وذلك من خلال تأسيس وحدات عمل داخل المؤسسات لتحويل الأفكار والابتكارات إلى نماذج وبرامج قابلة للتطبيق
أخيراً.. يبدو أن الفكرة ناضجة ومتبلورة تماماً للربط اللصيق بين الجامعة والمؤسسات على الأرض في القطاعين العام والخاص… والبقية هي صيغة قانونية ملزمة لكل الأطراف تنتج تفعيلاً حقيقياً للأبحاث وللطلاب وأساتذتهم من أجل خلق حالة تكامل فعّالة بين المؤسسات بعامّها وخاصّها والأكاديميات… لأن في جامعاتنا أبحاثاً “ترفع لها القبعات” احتراماً.. يجب ألا يكون مصيرها الرفوف المغبرّة أو مجرد ذكرى عابرة في حياة الطالب الجامعية.. الجميع مقتنع ويبقى القرار، وهذا في عهدة وزارة التعليم العالي والحكومة .