كلُّ النصوص قابلةٌ لأن تُمسرح والجميعُ يعرف الحلَ..!
تشرين- علي الرّاعي:
كلّ النصوص قابلة لأن تُمسرح، ذلك ما يراهُ الكثير من النقاد، كما أنّ كل الأماكن قابلة لأن تصير خشبة مسرح، وفق ما يرى (بيتر بروك) من أبرز وأهمّ من نظّر للمسرح.. فطالما ثمة إمكانية لإبراز العمق الحركي الدرامي في النص، أيّ نصّ، ومن ثمّ القبض على الصرخة التي لم تعبر الصوت، وظلت حبيسةً في وجدان كاتب النص، لأنّ في كل نص صرخةً ما، حلماً ما، صراعُ الضمائر بذاتها كافٍ لأن يُجسد على الخشبة، رغم كل هذه الوفرة، فالشكوى هي ذاتها، ندرة النصوص، وعدم وجود الخشبة المناسبة.. لكن أحداً ما لا يلتفت إلى ما يُحيط به من معطيات مسرحية، وهي كذلك متوافرة بمنتهى هذه البساطة.
الإشكاليةُ المركّبة
في مسرح الطفل الإشكالية مركبة، وتصل حدّ الكوميديا في تشخيصها، على سبيل المثال يرى الكثير من المشتغلين في مسرح الطفل في سورية، أنّ مستوى الكتابة في هذا المجال، لم يتغير منذ أربعين سنة رغم كل التطورات والتقنيات التي وصلت مسارح العالم، وتغيّر الذهنية في الشغل لمسرح الأطفال، ولا أعرف لماذا منذ أربعين سنة «بالتمام والكمال»، أي هل كانت أفضل قبل أربعين سنة مثلاً..؟! .
يُجمع عدد من العاملين في المسرح الطفلي على أنّ أزمة هذا المسرح تكاد تكمن في «النص»
ويرون أن أكثر التقنيات محدودة، إذ إنّ أغلبية النصوص لا تحقق شرطها الإبداعي، وهي إما مُقتبسة أو مُعدّة، أو هي من حكايات شعبية، كما أنّ معظم من كتب للأطفال هم من داخل العاملين في هذا المجال.. – وهل يتجرأ أحد على الدخول من خارج هذا الوسط إليه.؟!- مخرجون، مهندسو ديكور، لكن البؤس كان أنّ جميع تلك النصوص كانت بذهنية من مستواهم، وليس بذهنية الأطفال، وليس بالضرورة أن يكون مستواهم أفضل من مستوى وعي الأطفال، بل قد يكون العكس هو الصحيح تماماً، وقد أثبتت التجارب والدراسات أنّ ذهنية الطفل هي السابقة لذهنية الكاتب التي تبدو متقهقرةً في اللحاق بخيال الأطفال، حتى كادت أن تشكّل غيرة لدى الكثير من المبدعين، ولاسيما في التشكيل على سبيل المثال، إذ تزداد رؤى اللوحة، بقدر ما تعبث فيها من ذهنية طفلية، حتى كادت العفوية القريبة من الاشتغال الطفلي تشكّل ميلاً لعدد لا يُستهانُ به من الفنانين التشكيليين اليوم.
محنةٌ دائمة
في المسرح يجمع إذاً عدد من العاملين في المسرح الطفلي على أنّ أزمة هذا المسرح تكاد تكمن في «النص» إذ إنه وعلى الرغم من مرور عقود طويلة من السنين على دوران عجلة مسرح الأطفال، لا تزال أزمته الأولى هي النص، وتحديداً ندرة النص الجيد..!
مستوى الكتابة في هذا المجال، لم يتغيّر منذ أربعين سنةً رغم كلّ التطوّرات والتقنيات التي وصلت مسارح العالم
والغريب أنه في كل الندوات والحوارات التي تُعقد للنقاش في أزمة المسرح، تكون الدهشة أنّ الجميع يعرف الحل، ويضعون أيديهم على « الجرح» تماماً، على الأزمة الرئيسة، أو المتفرعة عنها، ومع ذلك لا تزال «الأزمة» مستمرة، ما شاء لها القائمون على المسرح استمرارها، ويبدو أنّ مشيئتهم لهذا الاستمرار طويلة جداً..!
والمدهش في أمر مسرح الأطفال، أنّ الجهات التي تتحدث بأمر الارتقاء بهذا المسرح، ويقع على عاتقها؛ هي من التعدد بمكان: منظمة الطلائع، مديرية ثقافة الطفل في وزارة الثقافة، مسرح العرائس، مديرية المسارح والموسيقا، وحتى تكتمل الدهشة، ثمة مديرية بكامل لياقتها من موظفين، ورواتب، وأذونات سفر، ومهمات في وزارة التربية تُدعى، مديرية مسرح الطفل، مع ذلك، ومع كل هذه الكثرة، الأزمة لا تزال مستمرة، مع أنّ الحل قد يبدو بسيطاً، بقدر ما هو الحل بعيد عن الحل، لأنّ «الدوائر» ارتاحت على توزيع الغنائم، واطمأنت على المنافع، فحتى وهم يتحدثون عن أزمة المسرح يقبضون أموالاً، فلماذا العجلة في إصلاح الأمور؟!
وأمر أزمة المسرح ينسحب على كل «الأزمات» التي تعانيها كل مرافقنا الحياتية، الجميع يعرف الأزمة، والجميع يعرف الحلّ، ومع ذلك فإن الأزمة مستمرة..؟!