عندما فاز منتخب المغرب أو تونس أو السعودية، رفع الجمهور علم فلسطين.. علم العروبة.. إلى جانب علم الدولة الفائزة، والكثير من الجمهور ارتدى الكوفية الفلسطينية، وقبل أن تبدأ مباريات المونديال للتنافس على كأس بطولة العالم في كرة القدم حضر العلم الفلسطيني.. علم العروبة في كل الساحات ومن خلال كل تجمع سواء في الدوحة مركز المونديال أم في العواصم العربية، التي كانت تتابع هذه الفعاليات.. وهذا الحضور للعروبة عبر الحشود الشعبية هو إعادة تأكيد أن الأمة العربية ما زالت العروبة روحها المحركة لعواطفها، والنابضة في اجتماعها، فهل تنتبه الحكومات إلى قوة طاقة العروبة؟ وهل تفكر في استثمارها للارتقاء بالأمة بشكل أكثر فاعلية وحضارية؟
شكلت الحشود العربية لمتابعة المونديال، عينة واسعة لدراسة السلوك الشعبي، ومنذ الافتتاح ومع فقرة الأناشيد الوطنية العربية هبّت الحشود بحماسة عند النشيد الفلسطيني، وكان لافتاً للنظر أن أبناء كل بلد عربي سعدوا بنشيدهم الوطني الخاص، ولكن كل العرب تحمسوا بشكل أكبر بكثير للنشيد الفلسطيني باعتباره نشيد القضية العربية المركزية.. نشيد العرب، كما ظهر تعاطي العرب مع بعضهم، كل العرب الخليجيين والمغاربة والمشارقة والمصريين، حيث رفضوا التعاطي مع الإعلام الإسرائيلي في الدوحة، بل صدّوا مندوبي هذا الإعلام عندما عرفوا أنه إسرائيلي، لدرجة أن صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عنونت: «العرب يرفضوننا»، الأمر الذي يشكل رسالة شعبية حقيقية تجاه”إسرائيل” والتطبيع المجاني معها، ومن يتابع عواطف الجمهور المحتشد في المونديال أو المتابع على الشاشات تجاه أي فوز عربي – تونسي- سعودي- مغربي، يلمس بشكل لافح مدى احتفاء العرب كلهم بفوز أي بلد عربي.. إنها الروح العربية الجامعة، وهي العروبة المتقدة في نفوس الأمة، رغم كل ما أصابها من اعتداءات القوى الأجنبية المتربصة بها، ورغم ما لحقها من تشويه بفعل الديكتاتوريات والدول الدمى.. إنها العروبة ذاتية الانتعاش مستدامة التعافي.
العروبة، كروح شعبية محركة وطاقة جماهيرية فاعلة، تشكل أصلاً من أصول قوة العرب الباقية رغم كل ما يحوق بها، وتطورت هذه الروح «العروبة» لتتجاوز مفاهيم الانتماء إلى عرق، ولتنبذ كل تمييز عنصري، حيث أصبحت «عروبة حضارية» و«منطلق تفاعل» حضاري بين مكونات الأمة، بحيث يكون هذا التفاعل بمنزلة الرحم المولدة لارتقاء الأمة في واحديتها، الغنية بخصائص كل مكون من مكوناتها. من هنا يصبح لزاماً على الجميع؛ النخب والتشكيلات الاجتماعية والأحزاب والقوى وخصوصاً الحكومات، أن تعمل على احترام واستثمار وتفعيل العروبة كروح جامعة وطاقة تفعيل ورحم ارتقاء، وأي تقصير تجاه العروبة هو خيانة لمستقبل الأمة وتدمير لروحها العربية.
في مونديال كرة القدم.. بالفعل كانت الكأس لعروبة الشعب والأمة.