خاصرة تنزف دولاراً في قوام الاقتصاد السوري.. خبير أكاديمي يتّهم البنوك الخاصّة بترحيل مدخرات المواطن واستثمارها في الخارج على حساب الاقتصاد المأزوم
تشرين- خاص:
تساؤل ساخن لم يبرد بعد رغم مرور السنوات الطويلة، مازال عالقاً في أذهان الجميع عن الدور التنموي الذي تؤدّيه معظم البنوك الخاصّة التي جرى الترخيص لها في السوق السورية… بعض المصارف (بنك أو اثنان) بل بالأحرى بنك واحد معروف، يظهر دوماً على واجهة الحراك الاقتصادي والاجتماعي في البلد، والبقية كأنهم ثقل جاثم على صدر الاقتصاد السوري.
من حيث الشكل، البنوك الخاصّة الكامنة عبء لجهة سلبيتها وخجل مساهمتها التنموية وأحياناً انعدامها، أما في المضمون فثمة من يشير إلى حقائق خطيرة فعلاً تتعلق بجنوح معظم هذه البنوك إلى “استثمار سورية” بدلاً من الاستثمار في سورية..وهذا أبغض الحرام الاقتصادي – وليس الحلال- في هذا الزمن الصعب.
لا يوجد بلد في العالم سمح بتأسيس بنوك خاصة بالكم والعدد الذي سمحنا به في سورية
رأي صادم
في سياق حوارات “منصّة تشرين” كان للدكتور علي كنعان أستاذ المصارف في جامعة دمشق رأي صادم لجهة المعطيات التي دفع بها…الرجل يرى أنه لا يوجد بلد في العالم سمح بتأسيس بنوك خاصة بالكم والعدد الذي سمحنا به في سورية، وكان من الممكن أن تدخل البنوك إلى البلد على شكل فروع لشركات أُمّ خارجية، ما حصل كان خطأً، لأنه يمكن السماح بافتتاح فروع لمصارف أجنبية أو مصارف كاملة، لكن من غير المقبول أن تسمح لمصارف موجودة في دول أخرى كانت تستغلك سابقاً، أن تأتي وتستغلك على أرضك وبالقانون.
أخذوا الأموال السورية وحوّلوها إلى دولار وربحوا على حساب المواطن والاقتصاد السوري ولم تقدم معظم البنوك الخاصّة قروضاً حقيقية للمواطنين
سمسرة مشبوهة
التجربة تبدو برأي الدكتور كنعان فريدة “بكلّ أسف”، فهو يعدّ أنّ ما تم هو قوننة “استغلال” المواطن السوري من البنوك العربية التي تم تأسيسها في سورية، إذ أخذوا الأموال السورية وحوّلوها إلى دولار وربحوا على حسابه، ولم تقدم معظم البنوك الخاصّة قروضاً حقيقية للمواطنين، فلو فرضنا أن البنوك الخاصة لديها ما يعادل 3 تريليونات ليرة ودائع، المفروض أن تقوم بإقراض 2,8 تريليون إذا احتفظت بنسبة 15 % احتياطي إلزامي، وما تم هو قيام هذه المصارف بإقراض عدد محدد من الأشخاص (3 أو 4) ومن ثم أخذها إلى الخارج واستخدامها في مشروعات استثمارية، ولم تستخدم لشركات زراعية أو صناعية سورية، والمفروض أنه تم فتح الباب لها لتعمل كبنوك، وليس لتغرق في السمسرة من خلال تجميع الودائع السورية لتوظيفها في الخارج وتحقيق أرباح.
وأعاد الدكتور كنعان تأكيده أنه تمت شرعنة استغلال المواطن السوري من مصارف أجنبية، تعمل بإدارات وكوادر وأنظمة عمل مصرفية غير سورية، مرتبطة بالمصرف الأم، لتدفع في نهاية العام مبالغ خيالية له مقابل مجرد استخدام نظامه المصرفي!
يتم تقسيم حسابات البنوك الخاصة لدى المراسلين إلى ٣ أجزاء؛ الأول منها للتمويل، والثاني يوضع بفائدة، والثالث استثمار، لنجد في حساباتهم الختامية في نهاية العام أرباحاً ضخمة
استثمار غير نظيف
وأشار كنعان إلى وجود أمر آخر بخصوص المصارف الخاصة وهو حسابات المراسلين، فإذا نظرنا إلى آلية عمل المصرف التجاري السوري مثلاً، يقوم باعتماد مراسل خارجي يدفع ثمن المستوردات، ويضع لديه مؤونة من القطع الأجنبي، ليمول الاعتمادات التي يفتحها “التجاري”، إلّا أن حسابات مراسلي المصارف الخاصة تصل إلى 80% من حجم ودائعها، بحجة أنها لأجل التسهيلات الخارجية لعدم قدرتهم على تحقيق أرباح في السوق المحلية، وهذا الأمر من قبل حصول الأزمة، حيث يتم تقسيم حسابات المراسلين إلى ٣ أجزاء الأول منها للتمويل، والثاني يوضع بفائدة، والثالث استثمار، لنجد في حساباتهم الختامية في نهاية العام أرباحاً ضخمة، لكنها غير ناتجة عن الإقراض والتشغيل في سورية، وهذه مشكلة كبيرة لم تعالج حتى الآن، ومن الواضح أن المصارف الخاصة لا تريد العمل في السوق المحلية، ولا تقترب من الإقراض الصغير، حتى إنها لا تملك الكوادر البشرية اللازمة لرقابته في حال رغبت في ذلك.