من ضيّع مكتبة المدرسة؟!

فوز الطفلة شام البكور في مسابقة تحدي القراءة أشعل فطرة القراءة في المجتمع، وبدأت مدارس عديدة باجتراح وسائل وطرق لاستعادة القراءة كممارسة أصيلة لدى كل تلميذ وطفل. وعلمت أن مدرسة متميزة وزعت على تلاميذها دفاتر صغيرة، ليقوم كل تلميذ بملء كل صفحة منه باسم الكتاب الذي قرأه واسم المؤلف والخلاصة أو العبرة التي استفادها من قراءة هذا الكتاب، ووعدت المدرسة تلاميذها بإتاحة الفرصة لمن يقرأ كتاباً بأن يخرج ليحدث أقرانه عنه أو ربما يقرأ مقطعاً منه، كما وعدتهم بتمييزهم في التصنيف والنجاح، وبذلك يتشجع الأطفال وربما يتنافسون في مجال القراءة . طبعاً هذه الطريقة اجتهاد مشكور، ولا بد من اجتهادات أخرى لتصب في هذا النشاط المهم والضروري لبناء شخصية الطفل. ومادمنا نتحدث عن القراءة، فماذا عن الكتب ومكتبة المدرسة؟
‏للأسف في الأعوام السابقة جرى إهمال مكتبة المدرسة وتعاظم الاستهتار بها، وزادت الحرب من هذا الإهمال والاستهتار، وبعدما أصبحت مكتبة المدرسة ركناً للمعلمين والمعلمات، الذين لا يريدون أن يبذلوا جهداً، انتهت الأمور بأن أكثر المدارس ألغت المكتبة من بنيتها. وسمعت قبل سنوات أن أحد المسؤولين في وزارة التربية يشكو مديري المدارس، الذين يتصلون ليتخلصوا من كتب المكتبة في مدارسهم للاستفادة من مكانها غرفة كانت أو قاعة. وهكذا ضاعت المكتبة كوجود فيزيائي بعدما ضاعت كنشاط تثقيفي. واليوم ليست وظيفتنا أن نلاحق من ضيّع مكتبة المدرسة، ولا من سرق مكانتها، ولا من قتل فاعليتها. إنما حرصنا اليوم على أن نطالب باستعادة المكتبة إلى المدارس وإنعاش فعلها وتأثيرها في المدرسة إن كنا فعلاً نريد من تلامذتنا الشغف بالقراءة.
في عملية استعادة المكتبة المدرسية لابد من الانتباه إلى ضرورة عدم تكرار نواقص التعاطي السابق معها، حيث كان يخصص مكان لها، ويملأ بمجموعات من الكتب الأدبية والتاريخية واللغوية … إلخ.. وغالباً ما تكون غير مناسبة للأطفال. لذلك فإن استعادة مكتبة المدرسة تستلزم وضع فلسفة ومنهجية عمل لهذه الفعالية، أولاً بأن يكون المشرف عليها منشط قراءة فعلاً وليس موظفاً أو موظفة «عاف» أو «عافت» العمل، ويريد أن يرتاح، وثانياً لابد من اختيار الكتب التي تناسب الأطفال والتلاميذ من حيث الأسلوبية والصياغة، وثالثاً من الواجب دراسة ما نريد من القراءة أن ترسخه في شخصية الطفل من القيم، حيث إنه أولاً لابد من ترسيخ حب الوطن، والوحدة الوطنية، واحترام الآخر، واستقلال وسيادة الوطن، والإيمان بأن الهوية الوطنية جزء من الهوية الحضارية الإنسانية، وضرورة إسهام كل فرد في عمران وطنه وبلده واجب إنساني وأخلاقي وديني، مع الانتباه إلى تجنب تسلل أساليب الدعاية السياسية في صياغة هذه القيم، والحفاظ عليها كقيم وطنية إنسانية كي يكون تأثيرها أعمق وأبعد فعلاً. وإلى جانب هذه القيم لابد من أن تؤدي الكتب إلى زرع شغف البحث والاطلاع عند الأطفال، وتعليمهم الفكر النقدي والحوار، واحترام الرأي الآخر، والسعي للتميز والمهارة كجزء من الهوية الوطنية. باختصار يجب أن تؤدي هذه الكتب إلى بناء عقلية نقدية بحثية مفكرة لدى الطفل.
ترى هل تفكر المؤسسات المعنية بالقراءة، وخاصة وزارة التربية ووزارة الثقافة واتحاد الكتّاب واتحاد الناشرين…إلخ؟، وهل تفكر في وضع فلسفة وآلية عمل لمكتبة المدرسة؟ وهل تعمل هذه الجهات على استعادة وظيفة مكتبة المدرسة بشكل مناسب للعصر وأدواته ووسائله، بشكل يدعم بناء شخصية الطفل ليكون فعالاً ومبدعاً ومعمراً في مجتمعه وبلده ووطنه؟ وهل تفكر هذه الجهات، وتنجز المطلوب منها ؟ أم إننا سنجتر نواقص الماضي وادعاء الإنجاز من دون أي مردود؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار