الاحتلال حائر

تشرين- إدريس هاني:

– الميدان يقود الوعي، بل يفرض عليه الرُّشد، من كان يتوقّع أنّ محوراً ظلّ موضوعاً للتشنيع خلال أربعين عاماً، سيكون في مقدّمة التّحرير، أربعون عاماً من معركة الوعي، هذه نتيجتها، من الطبيعي أن يخجل منّا أو يهرب إلى الأمام من حاصرناهم في هذه المعركة، منذ الدّفاع المقدّس، منذ عشريات الضياع، هذا هو الأرشيف، حافل بالعدوان، حافل بالتشنيع، إن لم نغفر لكم نحن، لن تفيدكم كل المناورات والمسرحيات.

– يتجاوز  الأمر الرغبات. من كان نقاشه مع سيدنا سُليمان، من حار الهدهد في أمرهم، من كانت الحرب أيسر من مضغ القات في أيّامهم، من لم يدرجهم الاحتلال في حساباته، هم من كسروا القاعدة، لا حاجة لاستدعاء الذاكرات المزيفة والرخوة، لقد كانت الحرب على محور الممانعة منذ البدء لكيلا يتفرغ للمهمة التّاريخية، ولا قيمة للامتحانات الاستدراكية، من تَقَوَّل يومها، فلا فائدة من تِقْوَالِه اليوم، اركضوا، وازحفوا، وتقوّلوا، وتشقلبوا.

– تتحدث مصادر إسبانية وألمانية عن تفكيك خلية لتصنيع وتوريد طائرات مسيرة تابعة للمقاومة بجنوب لبنان، في هذا الشريط من حرب الإعلام الكرتونية، تخرق مسيرة من الجيش اليمني القبب الحديدية وتكتب في حيفا جملة مفيدة، معناها: أنّه لا حاجة للمقاومة لأن تعتمد على مافيا أوروبية لهذا الأمر، فالمسيرات تصنع هناك حيث هم، كما أنّ مسيرة يافا هي رسالة غير مشفرة، مفادها أنّ العدوان على لبنان سيكون مكلفاً، لقد انتهى عصر الأساطير التقنية: ميركافا باتت متّكأ لنشر الغسيل، القبب الحديدية بمثابة “شاهد ماشفش حاجة”.

– ثمة فوبيا حقيقية اليوم، أي الانتقال إلى حرب التقنية. فالاحتلال يدرك أنه لا يمكنه الفوز في معركة مباشرة، فبكل المقاييس سيخسرها، وكان يستند إلى التفوق التقني، على الأساطير والحرب النفسية. اليوم تغير الوضع، لقد تمّ تحييد وإرباك التقنية الفائقة وتبديد أساطير ما لا يُقهر، وإذن، باتت سماء الاحتلال عارية.

– يصادق الكونسيت على قرار رفض دولة فلسطينية، حتى هذا القدر الذي يعزز شرعية السلطة الفلسطينية انتهى، الاحتلال يقدم كلّ الأسباب الموضوعية لمواصلة الحرب، سقطت أوسلو، وكما ذكرنا مراراً، إنّه سيسقط بنفسه، في خضم جدل واقع تفرضه حركة التحرر. إذا أخطأنا حساب الاحتمالات فسنسقط في قياس إبليس.

– هجا نزار قباني في “المهرولون” أوسلو قائلاً:

تركوا علبة سردينٍ بأيدينا

تسمى (غزةً)..

عظمةً يابسةً تدعى (أريحا)..

فندقاً يدعى فلسطين..

بلا سقفٍ ولا أعمدةٍ..

تركونا جسداً دون عظامٍ

ويداً دون أصابع…

لم تعد ثمة أطلال لكي نبكي عليها.

كيف تبكي أمةٌ

أخذوا منها المدامع؟؟

– يقول مرشح النيابة في انتخابات تدور بين القنص وكورونا، بضرورة وقف الحرب على غزة.

نتساءل: متى، وكيف، وما الثّمن؟ غزة لم تعد وصلاً تجارياً، ولا رغبة انتخابية، غزة مسكت بزمام المبادرة، وهي تفرض استحقاقات على عالم لم يعد له ما يقوله حول الحرب والسلام، ماذا بقيّ؟ فحتى حلّ الدولتين لم يعد أرضية للسلام. وكما قال المرشح المذكور، فإن الاحتلال كلما أطال الحرب جعل الوضع أصعب عليه. لكن ما البديل؟ لم يعد الاحتلال يملك خياراً، إنّه يرى العالم يتهاوى، كما يرى أساطيره تتهاوى، كما يرى سماءه باتت مكشوفة، اللحظة القصوى التي تسبق التّفكك.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار