مروان شاهين كبير الإعلاميين وشيخ التشكيليين

تشرين-سامر الشغري:

طلبت قبل فترة من الفنان التشكيلي والإعلامي مروان شاهين إجراء حوار معه يتناول تجربته الواسعة في حقلي الإعلام والرسم فاعتذر بسبب ظروفه الخاصة، فأخبرته بأنني سأعد عنه مقالا عن سيرته الذاتية ووافق بكل صدر رحب، شاكرا لهذه المبادرة، لتكون هذه المادة الصحفية هدية لمبدع سوري قدم الكثير بصوته وحضوره وريشته.

ولد مروان في مدينة حمص سنة 1930 لأسرة شغوفة بالعمل الوطني والثقافة والأدب، ويتذكر كيف اصطحبه عمه وهو في السادسة من العمر ليرى الثوار السوريين وهم يتصدون للاحتلال الفرنسي.

كان للوسط، الذي نشأ فيه مروان، دور بالغ الأثر في التعلق بالقراءة والكتابة، فخاله مراد السباعي كان كاتباً قصصياً غزير الإنتاج ، فضلا عن كونه مخرجاً مسرحيا وعازف عود متمكنا، فتعلم منه مروان العزف وأخذ يقرأ كل ما يقع تحت يده من كتب ودواوين شعر ومجلات، ونشأت لديه هواية رسم صور الفنانين التي كانت تتصدر أغلفة المجلات.

وقُيّد لمروان وهو في سني الصبا التعرف على فنان سيلعب دورا مؤثرا في الحراك التشكيلي في حمص اسمه عبد الظاهر مراد، فشكلا ما يشبه الثنائي وخرجا إلى الطبيعة للرسم بالألوان المائية والزيتية، وتتلمذا على يد الفنان الرائد صبحي شعيب وتوطدت علاقتهما معه خاصة بعد أن ساعداه في نيل جائزة على لوحته الشهيرة (العودة إلى القرية).

وبعد حصوله على الشهادة الثانوية درس مروان الفلسفة في الجامعة، وكان أساتذته نخبة من المفكرين أمثال عبد الكريم اليافي وأمجد الطرابلسي وسعيد الأفغاني وعادل العوا وبديع الكسم، من دون أن تثنه الدراسة عن هواية الرسم، فكان يرسم لوحات بورتريه لزملائه في الجامعة، ويتذكر كيف رسم ثلاث لوحات لمشاهير علم النفس الغربي (فرويد وواتسون وادلر) بناء على طلب من أستاذه سامي الدروبي ليعلقها في المختبر النفسي بالجامعة.

وبعد تخرجه عمل مروان مدرسا للفلسفة في حمص فجمع بين تدريس الفلسفة والرسم، وصار لديه طلاب غدوا فنانين مشهورين منهم الدكتور عبد المنان شما.

المرحلة الأهم في حياته بدأت عندما تقدم لمسابقة أعلنت عنها إذاعة دمشق لتعيين مذيعين حاصلين على شهادات جامعية، ونجح مع مذيعين كبار منهم عبد الهادي بكار وعادل خياطة، لكن عمله الإذاعي لم يستمر طويلا لأنه اختير خلال فترة الوحدة مع مصر للعمل في التلفزيون لدى تأسيسه سنة 1960.

آمن صباح قباني، أول مدير للتلفزيون العربي السوري، بقدرات شاهين فاختاره لأن يكون أول مذيع للأخبار يطلع على الشاشة السورية ، وأوكل له مهام كثيرة كتنسيق وترتيب البرامج واختيار المذيعين الجدد، كما كان شاهين صاحب أول برنامج في التلفزيون بعنوان (هذا الأسبوع) ويتضمن لقاءات مع شخصيات مختلفة كبطل السابحة محمد زيتون ومدير متحف دمشق حسين كمال والمطربة سعاد هاشم، ثم أطلق بعده برنامج ( ندوة الأسبوع) وفيه حوارات مع الأدباء والمثقفين لطرح موضوعات مختلفة.

النجاحات التي حققها مروان في الشاشة الفضية وتعيينه أول مدير للبرامج في التلفزيون لم تشغله عن غرامه بالرسم، فقد أقام أول معرض له سنة 1961 برعاية وزارة الثقافة وقدم فيه أعمالا مائية وباستيل، ثم نظم معرضا ثانيا سنة 1962 في صالة نادي الخريجين ليستضيف فندق الكارلتون في بيروت معرضه الثالث سنة 1966.

كان ظاهرا لدى النقاد تأثر مروان بالفنان الهولندي فان كوخ لجهة أسلوب تصوير الأشخاص والطبيعة وتركيزه على الأناقة والتقاط كل ما هو جميل في الإنسان ليعبر من خلال لوحاته عن جوانب كثيرة في شخصيته.

وظهر أيضا التطور الذي عرفته تجربة مروان الفنية خلال سني حياته، فعندما سافر إلى الكونغو ليعمل في قطاع التدريس تأثر كثيرا بطبيعة تلك البلاد الإفريقية وبخضرتها النضرة وعوالمها المملوءة بالألوان حتى وصف الناقد التشكيلي سعد القاسم بأن أعمال مروان في الكونغو من أجمل ما رسم.

أما رحلة مروان مع الإعلام فلم تتوقف رغم ما مر به من ظروف صعبة، إذ عمل مديرا لمعهد الإعداد الإعلامي، وسعى لإقامة دورات إعلامية نوعية وغير مسبوقة، ثم شغل مدير مكتب الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) في روما، حيث عكف على دراسة اللغة الإيطالية بشهرين لبناء جسور التواصل مع الأوساط الرسمية والثقافية، واستثمر تلك الفرصة فأقام معرضين الأول في روما والثاني في باريس.

وبعد أن تقدم مروان باستقالته من عمله في روما سعى للتفرغ لفنه، موظفا مخزونه المعرفي واطلاعه على علم الجمال ومعرفته بتاريخ الفن والرحلات التي جاب فيها معظم البلدان ليصور الحياة بطبيعتها واجتماعياتها، لأن الفن ظل هاجسه وذورة اهتمامه والقاسم المشترك والموازي بل يسبق كل انشغالاته الأخرى.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار