رحلة قمر الزمان علوش مع التلفزيون من الدراما الروائية إلى السير الذاتية

تشرين-سامر الشغري:

من بين عشرات الأسماء التي عرفتها مهنة كتابة السيناريو في سورية، يطلّ اسم الأديب والصحفي قمر الزمان علوش كصاحب تجربة متفردة وذات خصوصية سواء في الموضوعات المختارة أو كيفية معالجتها.
علوش الذي جاء الى كتابة السيناريو من خلفية إعلامية، إذ عمل في القسم الثقافي في جريدة تشرين زهاء ثلاثة عقود، وظف أسلوبه و معارفه الصحفية المكتسبة وثقافته الموسوعية في الكتابة الدرامية، فلم يكن عبثياً ولا تقليدياً ولا تجارياً بل سعى وراء التجديد والابتكار والغنى المعرفي.
علوش الذي كان من أعمدة الصحافة الثقافية السورية ووضع روايتين، لم يصافح قلوب عامة الناس إلا من خلال التلفزيون، لذاك أراد أن يستثمر جماهيريته ويطوعه لخدمة مشروعه الفكري، ويمكن لنا أن نتلمس في تجربته مع الدراما خطين رئيسين، الأول الدراما الروائية و الثاني السيرة الذاتية.
فكان تحويل روايات عالمية لمسلسلات درامية فكرة انبثقت من خلال النقاشات التي خاضها الصديقان قمر الزمان والفنان أيمن زيدان، عندما كان الأخير مديراً لشركة إنتاج تلفزيوني، وسعى لتحقيق مشروع لنقل الدراما السورية إلى فضاء جديد، وتغيير بوصلتها من الترفيه والتسلية إلى تقديم مشروع معرفي يرتقي بجمهورها، ولتكون صنو السينما والمسرح.
قدم الكاتب قمر الزمان مع زيدان كمنتج تارة وكمنتج ومخرج تارة أخرى عملين هما، (ليل المسافرين) عن رواية البؤساء للفرنسي فيكتور هيجو و(الأرواح المهاجرة) عن رواية (بيت الأرواح) للتشيلية إيزابيل الليندي.
في (ليل المسافرين) الذي أخرجه زيدان، نجد أن قمر الزمان نحا في تحويل رواية هيجو الشهيرة التي تحكي بمرارة عذابات الكادحين والطبقات المسحوقة إلى الحدث السوري المعاصر، ولم يقارب البؤساء إلا في بعض المفاصل، جاعلاً مكان ليل المسافرين قرية سورية والزمان العقود الأخيرة من حقبة الاحتلال العثماني، وشخصية جان فالجان (في المسلسل اسمه شاكر الكوراني) ويؤدي دوره الفنان عباس النوري مناضلاً في وجه الاحتلال ويتعرض للسجن والاعتقال.
في العمل الثاني (الأرواح المهاجرة) الذي أخرجه شوقي الماجري، كرر قمر الزمان الشيء ذاته، فقد «سورن» الرواية الشهيرة لأليندي، وجعل البيئة قرية في الساحل السوري، والشخوص ينتمون لعائلة أرستقراطية تعيش نهاية الاحتلال العثماني وحقبة الاحتلال الفرنسي والاستقلال وصولاً الى عصر الانقلابات العسكرية، مبتعداً في العمل كما قال وقتها عن الأجواء التي تنافي طبيعة الشرق، ومحاولاً قدر الإمكان الحفاظ على الواقعية السحرية السمة الرئيسة لروايات أدباء أمريكا اللاتينية.
الخط الثاني في الدراما التي كتبها قمر الزمان ظهر عنده في مرحلة لاحقة، وتمثله ثلاثة أعمال وهي (نزار قباني) إخراج باسل الخطيب و(أسمهان) إخراج شوقي الماجري و(كيلوباترا) إخراج وائل رمضان، واللافت أن العملين الأولين كتبهما بالشراكة مع يولا بهنسي في الأول وممدوح الأطرش في الثاني، بينما كتب منفرداً المسلسل الذي روى قصة أشهر ملكة في الشرق.
لقد قيل الكثير عن أسلوب تقديم قمر الزمان لشخصيتي أهم شاعر وأعظم مطربة عرفتهما سورية، إذ تعرض لانتقادات جمة بشأن ما عدّه البعض تناول السلبيات في حياة نزار وأسمهان، والواقع أن قمر الزمان سعى لأن يقدم صورة موضوعية وتكاد أن تكون محايدة لهاتين الشخصيتين، ولم يحاول مثل المصريين أن يقدم الشخصية التاريخية كشيء مقدس ومنزه، بل كبشر من لحم ودم يصيبون ويخطئون لديهم رغبات ونزوات ومشاعر خاصة، مستعينا في ذلك بكم كبير من الوثائق والمراجع والشهادات فكان أقرب للمؤرخ منه إلى الكاتب.
من المبكر الحكم على تجربة كاتب درامي رحل عنا اليوم وتقييمها بما لها وما عليها، ولكن الإرث الذي تركه قمر الزمان جدير بأن يستكمل وأن يستمر بعده.. إن عرض الأدب الروائي وتقديم السير التاريخية لعظماء سوريين من شأنه أن يأخذ الدراما إلى ملعب واسع وفسيح يستنهض فيها إمكانات جديدة، لاجتذاب شريحة من الجمهور لاتزال تنفر من دراما الحارات المغلقة والخيانات الزوجية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار