في المعهد العالي للفنون المسرحية.. نضال الأشقر: لا يوجد شيء اسمه نهاية وكل شيء قابل للتكيُّف
بارعة جمعة
لها من اسمها نصيب، نضالها إبداعيٌّ، إنسانيٌّ، مجتمعيٌّ، صاحبة مشروعٍ فكريٍّ وإنجازٍ مسرحيٍّ تُرفَع له القبعات، سيِّدةُ المسرح المسكونة بشغفِ وعشق الخشبة، ولأننا مازلنا نزرع الياسمين ونهديه حباً، ونصنع من عبقه حبال مودَّة، استقبل طلَّابُ المعهد العالي للفنون المسرحية السيدة “نضال الأشقر” بهذه الكلمات الممزوجة بالدفء والمحبة المترافقة مع أجواء الفرح والغناء والرقص، ضمن فعالية ملتقى الإبداع التي أُقيمت برعاية وزارتي الثقافة والسياحة والمعهد العالي للفنون المسرحية.
«فوضى الذاكرة»
تتنقل بين خبايا الماضي مستذكرةً ما كان يدور ضمن منزلها من مشاهد لمناضلين جعلوا من أرجاء المكان ملجأً ومأوىً من مخاوف عدَّة، ذاهبةً بخيالها بين تفاصيل العائلة، لتمضي بعدها معانقةً الحقيقة التي أثبتت تجربتها المسرحية الأولى هناك، هكذا افتتحت المسرحية القديرة “نضال الأشقر” حديثها مع طلاب المعهد، داعيةً إياهم للمضي بقوَّةٍ نحو الهدف، تنقلت بين أعمال فنية عدة، لتغدو الكاتبة والمخرجة والممثلة بآنٍ واحد.
أخذت الأدب العالمي وسيلةً للدخول إلى عالم الغرب المفعم بأصول الأدب في مؤلفات” شكسبير” بدعم من والديها، آخذةً في الحسبان تجسيد كل ما تمتلكه من مواهب بالتدريب المستمر والمترافق مع موازنة الكلمة والحركة، من خلال تطويع الجسد لخدمة الحوار، لتحقيق التوازن الذي يقود للخَلْقِ والإبداع.
«فن الإقناع»
ذهبت إلى حيث بإمكانها الصعود إلى القمة، متخذةً من “الأكاديمية الملكية للفن المسرحي” في لندن وسيلةً للنهوض بحلمها، وبخطوات متوازنة بدأت باستلهام مبادئ وتاريخ المسرح الغربي الذي يقوم على تنمية قدرات الإنسان لإيصال الرسالة بواسطة الحركة المترافقة مع متطلبات الشخصية، داعيةً جمهور الطلبة للتركيز على تنمية قدراتهم بالإقناع عن طريق “لغة الجسد”، التي تجعل للحوار نتيجةً محققةً لا محالة.
ولأنّ لكل شخصية نبرة وأسلوباً للتعبير عن نفسها، طالبت “الأشقر” بضرورة فهم طبيعة الشخصية، للوصول بعدها إلى مرحلة القدرة على “الارتجال” الذي يقوم على فهم (طقوس الإشارات والتحولات)، والمعتمد بالدرجة الأولى على التدريب على مشاهد معينة، ومن ثم استحضار مشاهد مشابهة لها من الحياة اليومية، لتصبح العملية تلقائية في كل مرة تتم بها قراءة نص ما.
وفي النظر للترابط الكبير بين وظائف الغناء، والرقص، والتمثيل، أوصت السيدة “نضال الأشقر” بربط تدريبات النفس بالغناء، ليأتي بعدها فهم النص بشقيه المتعلق بالمرسل والمتلقي.
«القرار الأصعب»
لم يكن من السهل حصر خياراتها بمجال المسرح، بل جرأة واضحة وتضحية كبيرة في سبيل الوصول لما تصبو إليه، ولأن لكل تجربة مصاعب، ولاسيما فيما يخص الجمع بين الحياة الاجتماعية والمسرح، الذي يُعدّ من أكثر الأمور التي تحتاج حسابات مادية للعمل به، ما يفرض على الشخص الاعتماد على نفسه وفرض نفسه بالوقت ذاته من خلال ما يقدمه للمجتمع، وخاصة الأنثى التي من الواجب عليها المثابرة والعناد.. أن تكوني مبدعة وناجحة فهذا شيء عظيم.
ولتحقيق الغاية من العمل المسرحي، وجدت “الأشقر” نفسها أمام تجرُّدٍ من فكرة “السينوغرافيا” بالاستغناء عن الديكور والاكتفاء بما يتطلبه العمل نفسه، والتركيز على المكان الفارغ وتعابير الجسد.
ولأن الجسد يحتاج وقتاً لتطويعه فلابدّ من وصوله لمرحلة النضج في إيصال الرسالة، شارحة الفرق بين أدب الكتب والنص الأدبي المعدّ للمسرح، الذي يعتمد على تكثيف التعبير بالجسد تحت مسمى “المسرح المرئي”.
طاقة متجددة
لا يوجد شيء اسمه نهاية، فالإنسان بطبيعته متجدد ويعمل باستمرارية بأسلوب استثمار طاقته بكل الجهات، والذي يجعل لكل شيء وقته، وكل شيء قابل للتكيُّف برأي “الأشقر”، وبإمكان الشخص استثمار وقته بطريقة صحيحة، وانطلاقاً من هذا المبدأ كشفت عن مشروعها المستقبلي القائم على فكرة مسرح توثيقي حديث تحت اسم “شارع الحمرا” الذي يحكي قصص شخصيات وأسماء الشعراء والكتّاب والرسامين الموجودين ضمن الفترة نفسها.
«ثقافة مشتركة»
لابدّ من عودة الأدب المشترك بين سورية ولبنان، كما تسعى الجهات المعنية من الطرفين لفتح جسر العبور لها للعودة بأعمال أقوى، والتي لا تزال رهن الوعود للبدء بها في المستقبل القريب، فالمسرح ينبض بالحياة في سورية برأي “الأشقر” والذي أثبتته العروض المُقدمة من قبل الطلاب، إلّا أنه انحسر في العالم العربي، لكونه يرتكز على الحرية في التعبير والجسد والكلمة، وينطلق من الحقائق التي تقدمها الحياة كالتراجيديا الإنسانية في بلدان عدة مثل: (لبنان وسورية والعراق) برأي السيدة الأشقر.
متوجهةً إلى جمهور الطلبة للعمل ضمن معايير المسرح الجيد وتجنب ما يؤذي الإبداع.