تعدد الأجزاء الدرامية جماهيرية مزيَّفة وحصاد للأموال
في نقطة تُعد أبعد بكثير مما تتوقع، يعيش أشخاص مجهولون بطقوسٍ غريبة، تجمعهم قضايا معاصرة تتماشى مع متغيرات الزمان والمكان، لتنتهي بهم القصة بالفراق الأليم من دون التفكير بالعودة غير المحمودة النتائج، لتبقى قصةً مخلَّدةً عبر الأجيال، ومرجعاً لكُتَّاب الدراما المعاصرين.
وهنا تكمن الحكمة من قبل كاتب العمل الدرامي “ضيعة ضايعة” بجُزءيه برأي الجمهور الذي بات الحَكم الأول والأخير على استمرارية عمل ما، في حين يبقى الذكاء المتضمن بين سطور النص الدرامي يمثل هوية الكاتب المبدع والعمل المميز.
للتشويق فقط
وبالنظر لما آلت إليه أحوال العديد من الأعمال الدرامية التي حكمت على نفسها بالاستمرار لفترة طويلة، من دون البحث عن مبررات لها، وبالتالي سيكون الدافع تجارياً بحتاً حسب وجهة نظر كاتب السيناريو الدكتور “فتح الله عمر”، الذي عدَّ الحصول على جماهيرية من قبل عمل ما أنه المسوِّغ للقيام بموسم آخر، إلا أن التكرار يعتمد على بقاء النص بنفس جودة الموسم الأول بل أفضل منه أيضاً، حيث إنه في أغلب الأحيان يكون استثماراً من كل الأطراف بمن فيهم الكاتب والمخرج والجهة المنتجة، كما يعدّ نجاح العمل من أهم الأسباب للتفكير في المراهنة على أجزاء أخرى برأي الفنان “أحمد حلاق”، لكون الجمهور العربي يميل للتسلية والمتابعة الدائمة، بينما من الأجدر بالكاتب الذي شهد على هذا النجاح تقديم أعمال جديدة، بدلاً من التكرار الذي لم يُكتب له النجاح دائماً بالاحتفاظ بنجومه في الموسم الأول.
ولأن انتظار الجمهور المتشوِّق للأحداث من موسم لآخر يفرض الاحتفاظ به، فلابدّ لعملية الإخراج من أن تأخذ دورها أيضاً لجهة عنصري التشويق والإثارة اللذين من المفروض أن يتمثلا بالسرد الدرامي للشخصيات والأبطال حسب توصيف المخرج “سامر لبابيدي. ”
سلسلة متكاملة
ويشكِّل الكم الدرامي الموجود في العمل والحاجة لتوضيحه بأكثر من طريقة السبب الأهم في اعتماد مبدأ الأجزاء برأي المخرج “لبابيدي”، لتحقيق الهدف المنشود منه، أما في حال ارتباط النص الدرامي بحدث تاريخي أو ملحمة بطولية بحقب متتالية فيصبح الاستمرار بالعمل واجباً على القائمين به برأي الناقد الدرامي “لؤي سلمان”، والذي تم العمل به في أعمال البيئة الشامية، التي تقوم على فكرة مقاومة المحتل والذي يبرر الاستمرارية بأجزائها، بينما تكمن صوابيَّة التعدد سواء في الدراما السورية أو غيرها بالاعتماد على الموضوع، لحاجة بعض الأعمال لأجزاء أخرى لمعالجتها، ولاسيَّما إن احتوت على فكرة تعاقب الأجيال برأي الدكتور “فتح الله عمر” والتي تفرض التعدد، علماً أن تقنيات الكتابة الحديثة تجاوزت هذا الأمر، وأصبح بالإمكان تناول ثلاثة أزمنة في عملٍ واحد، وقد حصلت مراراً، وهنا يمكننا القول إنه في حال لم يحقق العمل تعبئة الفكرة كاملة في موسم واحد، فمن الممكن تقديمه بموسمين أو أكثر.
كما أن الخروج من نمطية الـ(30) حلقة التي روَّج لها الموسم الرمضاني أيضاً لا تخدم الدراما السورية برأي الفنان “أحمد حلاق”، لتعرض الجمهور للملل بسرعة، والذي دفع بعض الكتاب لصناعة العشاريات الدرامية، تفادياً لخسارة جمهورهم، بينما تشكل هذه الحالة نوعاً من الجذب للجمهور والعودة به إلى ما كان عليه سابقاً في المتابعة على مدار السنة برأي الناقد “لؤي سلمان” ، في حين شكَّلت ظاهرة عدم اختصار أحداث العمل بنهاية محددة نوعاً من إفساح المجال للمشاهد للمضي بخياله إلى النهايات التي تسعده حسب وجهة نظر المخرج “سامر لبابيدي . ”
توارث الشخصيات
والغريب اليوم أن الفكرة القائمة على التعداد بالأجزاء الدرامية لم تأخذ بالحسبان ماهية أبطال العمل وارتباطهم الوثيق بذاكرة الجمهور المتلقي، فكم شهدنا من إقبال على أعمال لاقترانها بأسماء وشخصيات محددة، كأعمال السيرة الذاتية التي تفرض الاحتفاظ بالبطل بكل الأجزاء برأي الناقد “لؤي سلمان” عازياً الفشل في الأعمال المتعددة الأجزاء لاستبدال الممثلين، إلا أن الضرورات الإنتاجية وانشغال الممثل يفرض هذا الأمر برأي الدكتور “فتح الله عمر”، فإن كان الممثل البديل بقوَّة الأساسي أو أفضل منه فإنه من الممكن للتجربة أن تمر بسلام، لكن بالعموم الاستبدال يُضعِف العمل على حد تعبيره.
بينما بقاء النجم ضمن العمل الواحد ولعدَّة سنوات يدعم العمل، ويُضاعِف من تفاعل الجمهور معه كما الحال مع مسلسل “الهيبة” الذي شكَّل نوعاً من التجدد في قصة العمل عبر أجزائه برأي الفنان “أحمد حلاق” وحقَّق النجومية والشهرة لأصحابه.
حكاية شعبية
والملاحظ اليوم أن الانصراف في أعمال البيئة الشامية للتعدد بأكثر من جزء هو من مبدأ “الحدوتة الشعبية” التي تجذب الجمهور العربي وتدغدغ مشاعره برأي المخرج “سامر لبابيدي”، إلّا أنها فقدت جاذبيتها بالنسبة للجمهور، لاختلاق أحداث سخيفة جعلت من رموز الحارة “كومبارس” حسب توصيف الناقد “لؤي سلمان”، في حين لم ينجح “الهيبة” أيضاً من تفادي فخ الأجزاء