ملتقى المحبة في ثقافي أبو رمانة
(النصوصُ القصيرة؛ قاهرةُ المسافاتِ الطويلة، قاهرةُ الكآبات والبكائيات، قاهرةُ الميتافيزيقيا، وباعثةُ المرح في النفوس المتعبة : لنكتبها إذاً ونحنُ نبتسم .. ) بهذه العبارة استهل الصحفي والأديب علي الراعي فعاليات الملتقى السوري للنصوص القصيرة الذي يُديره منذ (12) سنة في رحاب تنويعات الأدب الوجيز للمرة الثالثة والعشرين الخاص بالقصةِ القصيرةِ جداً، والقصيدةِ الومضة، والهايكو، وغير ذلك من تنويعات الأدب الوجيز، وذلك بمشاركة نخبة من الكتاب والشعراء في مركز ثقافي أبي رمانة.
أصوات أدبية صدحت بأوجاعها وذكرياتها، امتزج فيها حب الوطن بمختلف المشاعر الإنسانية والوجودية، لتعلو الكاتبة والقاصة هدى إبراهيم أمون المنبر وبجعبتها أعواد السنابل:
(جلد الذات، شحَّ الخيرُ في البلدة، كثُرَ المهاجرون وانهمرت دموعُ الوداع، أنعشت الأراضي المقفرة، وكلّما جرى جدولُ دمعٍ جديد، كَثُرَت السنابلُ وارتقى عمرانُ المنازلِ، تزاحمَ الناسُ يلهثونَ نحو الوداع.
الدموع التي وهبت للألم عذراً فانهال منسكباً في فنجان القهوة).. وللقاصة أمل هندي التي أشرقت بابتسامتها ملامح الأحلام:
(وكانت حجة الألم في تماديه
أنني لم أعبره من مركزه
و لم أتناول قهوتي على ذروته
ها أنا أنصب أرجوحة بين عينيه
كانت قد سقطت من طفولتي
بفعل سياسة ضغط الأحلام). .
وسرعان ما اعتلت القيامة منبر المكان، بوقفتها المتعالية ترقق كلام القاصة تماضر عودة حتى كاد ينكسر:
أضرمت الحرائق في الحروب
لتأكل نفسها
و من رماد حطامها
رتلت ملامح وعدك الآتي
بـ “العهد الجديد”
فما لنا من سبيل سوى
الرؤيا .. قيامة .
ببعض من الهمس ببعض من السكينة من موجات البحر أتى صوتها بفستان طرطوس الأبيض جاءت الشاعرة رجاء الراعي:
(محياك – أبيض فستان العروس، وضحكة اللوز) …
أما الشاعرة صفاء الخضور، فلم تتوقف عن طرح تساؤلاتها بروح الأمومة و العشق و لواعج الشوق:
(إعجاب رَسَمَتْهُ بِحرُوفِها، بَثتهُ لواعجَ شوقها بالقصيدة، اختبأتْ دموعَها ما بينَ السّطورِ، تحسَّسَ جميعُ الرّجَالِ قلوبَهم إلاّ هو.. كتبَ “دامَ إبداعُكِ”.. )
أما القصصُ المسجاة بالمكابدات فألقاها القاص والناقد صلاح الأسعد تاركاً في القلب نزيفاً لا يرقأ:
(سِجال انشطرَ نصفين ..
– كم لكَ وأنتَ تنزف ؟
– منذُ أن قتلتَني ونحنُ على قيدِ الحياة) .
مع شجن الناي وروح القصب ألقت الشاعرة طهران بصوتها الرقيق قصائدها:
“يدي على عروة الليل
تفك أزرار النهار..
نامت عيون الشك
يا حيرة اليقين. ”
ليصدح أعلى المنبر صوت الشاعرة نرجس عمران مفعماً بإحساس أنثوي جيّاش:
“خاتم الخطوبة
عاد إليها متأسفاً وقال: لقد جعلتك تنتظريني كل هذه السنوات، وكنت مثلك أحلم ببيت وأسرة وسعادة، إنها الحرب جعلتنا نهدر العمر انتظاراً لكن بعد الآن لا مزيد من الانتظار وقال: وهو
يضع خاتم الخطوبة في يدها
أنت حرة الآن .”
وفي عالم الهايكو تألقت هالا الشعار ساردة :
“قمر الثلج
بائعة الورد اليافعة
تحتفظ بباقة النرجس الذابلة”
ليسدل عالم القصص القصيرة جداً معزوفته بلحن القاصة هنادي مصطفى مُكرساً جمال الصورة وحداثة الأسلوب..
“معزوفة
تربعت على عرش التماثيل، عزفت على أوتار فضية، أضاءت الجرار من حولي.
غمرتها الدهشة ..
تساقطت الوجوه المنحوته .”
أما الشاعرة غادة فطوم، فسكبت إبداعها بين الشعر وصوره العميقة المكثفة وبين القصة القصيرة:
” دعني أرتب وطني
كما أشاء
فأنا الآن مشغولة بنحت أبي
وأشكّل حياتي من جديد..
ربما وجدت أمي وإخوتي
مازلت أبحث هناك
عن خلايا شكلتني
ورمتني. ”
في حين أفشت الشاعرة رجاء علي عيسى عن وشوشات القلب بلحظة مقدمة نخب الهوى:
“ربما في لحظةٍ تتغيرُ وشوشات القلب،
تصيرُ قصيدةً،
ونصيرُ شعراء بالفطرة..”
وببهاء حضورها أطلت القاصة لام مجبور بقصصها المترعة بالأسى والوجع:
” وعد
وعدوه بأن يزرعوا له ساقاً صناعية رداً لجميله معهم، وقالوا إنهم سيزوجونه، متألماً تحسس جيبه وأخرج منديلاً ليمسح دموعه، أمسك قلمه وذيّل الورقة: مع عدم الموافقة. ”
ليختم الملتقى فعاليته المميزة بابتسامات وحكايات وذكريات تحدت الحزن و الذكريات الأليمة المحشورة بين العبارات.