انقلاب المفاهيم والوجوه.. الاحتلال «التقدّمي» في مواجهة «التوحّش» التحرري

تشرين- إدريس هاني:
– العلاقة بين السياسة والمسرح مما جرت عليه عوائد التّهرّب من مسؤولية الضمير. غزّة قدّمت المثال الأعظم على «حضارة» تتمتع بكل الإمكانات لوقف الإبادة، ولكنها لا تفعل. وسننتظر شهوراً من طقس الإبادة، لنتحدّث عن حلول. وبعد كل هذا الخراب، سنقول إن النتن مجرم، وتنتهي الحكاية.
– ذلك الغرب الذي كانت الأمم الثالثية تنظر إليه كجنة للحقوق، بات بيئة لفساد الضمير، لدعم الإبادة، لقد كشّر عن أنيابه، حضارة الرجل الأبيض التي تقطر دماً وخراباً واستكباراً. أمّا أحرار الغرب، فهم في وضعية أخطر.
– لقد أُنهك محور المقاومة، أُنهك بالتشنيع، والتآمر، والحصار، والتّدخل.. نتيجة كلّ هذا، ثمة ربيعان: ربيع كذّاب، ربيع الخراب، وهناك أيضاً ربيع الممانعة، وحين تناولنا هذه القضية قبل سنوات، كثر حجاج الباطل، وتركنا لهم زمناً إضافياً حتى يكبروا فيعقلوا.. إنّها بيئة حمقاء، وأخطر ما فيها من الحماقة، أن يُزايد عليك في ربيع الممانعة من راهن على ربيع برنار هنري ليفي والتي واللُّتيّا ..
– الكل يتذكّر طقس الركوع في «ايباك». العابرون إلى حكومات الربيع، قالوا بالفم الملآن: فلسطين ليست أولوية، زايدوا على المقاومة، تكالبوا على قلعة الصمود(سورية) بالتآمر، بمساندة العنف، بالسكوت والصمت والتحالف مع المنشقين، شيطنوا محوراً بكامله، واليوم ينتظرون الخلاص ويراهنون على المحور الذي شيطنوه.. وكلهم يدرك أنّ ذلك المحور هو الذي فرمل الاحتلال، وجعل الأمر، بدل التفكير في تصفية القضية الفلسطينية، التفكير في تصفية الاحتلال.
– يمكن أن نكذب في كواليسنا على التّاريخ، لكن التاريخ سيحقق مخرجاته عَلَناً. إنّ التّاريخ ليس تمنِّيّاً، بل هو نشاط معقّد، يتداخل فيه الوعي واللاّوعي، حتى المنافقين يساهمون في صناعة التاريخ، لكن لمصلحة الأحرار.
– إن لم تكن لديك فكرة عن الوجه المتوحّش للحداثة، فانظر اليوم وتأمّل، يمكن للحداثة أن تلتهم أبناءها كقطّة مسعورة، لكن أي حداثة تلك؟.. إنّها الحداثة غير المجردة، ليست تلك التي نظّر لها الحداثولوجيون، بل هي مشروطة بتغلّب الإمبريالية، الحداثة المختطفة التي جعلت العالم ينقسم إلى حداثة السادة وحداثة العبيد. إن الاحتلال يقدم نفسه كنموذج حداثي، وهو ينظر إلى من حوله كمتوحشين، بل هو قدم نفسه منذ هرتزل على أنه وظيفي، يمكن أن يشكل سدّاً منيعاً ضد بربرية الشرق، شريطاً حدودياً لحماية الحضارة الغربية. ترى، ما هو ثمن هذه الوظيفة؟.. انقلاب المفاهيم والقيم، كل شيء قابل للتبرير ما دام هو في خدمة الإمبريالية.
– تجريم المقاومة يدخل في إكراهات حداثة العبيد، أولئك الذي يعتبرون الغلبة قدراً ونهاية التّاريخ، أولئك الذين لا يثقون في الإنسان، إن لم يكن التحرر حقيقة اليوم، فمتى سيكون مجديّاً؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار