“خرس زوجي واكتئاب أسري”.. تعنيف الرجل من قبل الزوجة ظاهرة تبحث عن تشخيص الأسباب والحلول

تشرين- إلهام عثمان:
في عالم تتشابك فيه العلاقات الإنسانية وتتنوع مشاعرها، تبرز العلاقة الزوجية كواحدة من أعمق وأهم الروابط التي يمكن أن يختبرها الفرد، فكما يُشيّد البناء على أساس متين، يجب أن تُبنى العلاقات الزوجية على أسس من الاحترام، المحبة، والتفاهم، ومع ذلك، تواجه العديد من هذه العلاقات تحديات قد تهدد استقرارها وتؤثر على حياة الطرفين ومن تلك التحديات تنمر الزوجة.
ج.ش رجل في الخمسين من عمره يقول: أشعر برغبة جامحة في عدم العودة للمنزل بسبب عصبية زوجتي وتنمرها، ويضيف: ما يردعني عن فكرة التخلي عنها الأولاد والتعود على طباعها.
أما (ع .ق) تقول: أعمل مدرسة وأعود للمنزل، وأنهي المهام المنزلية المعتادة وتربية أطفالي، لكن عند الوقوع في مشكلة مع الآخرين بحاجة للمواجهة ( تعدٍ لفظي أو أي تصرف غير لائق من الجيران أو أقارب أو غيره) يكتفي زوجي باللامبالاة وإن حاول حلَّ المشكلة، لا يحلها كما يجب وذلك بوضع حد للآخرين أو التصرف، وفي معظم الأحيان لا يواجه المواقف في حال تعدى أحدهم على أسرتنا للحصول على حقه، بل يكتفي بالانسحاب، رغم الحاجة لردٍ وقرار سريع منه، إلّا أنه يكتفي” بالتطنيش”، ما يدفعني لأخذ القرار عنه والتصرف، بهدف حماية أسرتي.

السفينة والقبطان
من جهتها أكدت د.حنين أسعد اختصاصية في التربية والإرشاد الأسري من خلال حديثها لـ” تشرين”، أنّ الرجل له مهامه في الحياة وكذلك المرأة.. لكن تقصير الزوج في أخذ دور القبطان يجعل الزوجة تأخذ دوره، حتى لا تغرق السفينة في بحر بعض المواقف، والتي تحتاج قوة في إدارة أمورها، ما قد يصنع من المرأة شخصية أخرى قد تكون مناقضه لشخصيتها الحقيقة أحياناً، لافتة إلى أنّ مشاعر الاستياء والنزاع بين الزوجين وخاصة في الوقت الحالي وما يمر به مجتمعنا من وضع معيشي مقلق هو طبيعي وشائع، لكن السلوكيات السلبية في حال تصاعدها لدرجة التنمر من قبل الزوجة، تمثل خطراً حقيقياً على الصحة النفسية للزوجين وسلامة الأسرة ككل، إن لم تعالج بالشكل الصحيح، مؤكدة أنه يمكن مواجهة هذه التحديات والتغلب عليها، في حال وجود الاحترام المتبادل، التقدير، والمحبة، ولاسيما أن هذه العناصر تلعب دوراً حيوياً في نجاح الشراكة الأبدية بينهما، وعندما يفقد أحدهما هذه المشاعر، فإن ذلك قد يؤدي إلى تصدعات كبيرة في العلاقة.

اختصاصية أسرية: تقصير الزوج في أخذ دور القبطان يجعل الزوجة تأخذ مكانه، ما قد يخلق من المرأة شخصية مناقضة لشخصيتها الحقيقية

أسباب
هذا وأشارت أسعد إلى أنّ أسباب تنمر الزوجة قد تعود لعدة أمور منها”عدم ثقتها بنفسها وبالتالي عدم الأمان ما يدفعها للتنمر على زوجها، كما أن التاريخ الشخصي لها وما مرت به من تجارب سابقة من الإساءة تؤثر على سلوكياتها، أضف إلى الضغوط النفسية من التوتر في العمل، وكيفية إدارة أمور المنزل وتربية الأطفال والمسؤولية كلها أزمات تسهم على التنمر، والتواصل السيئ ونقص التعبير عن المشاعر وحلّ النزاعات بشكل غير صحيح، أضف إلى فرق السلطة والإحساس بالتحكم الأكبر في العلاقة، والاحتياجات غير المُلباة، و يقصد هنا مشاعر الإهمال من قبل زوجها قد تدفعها للتنمر للحصول على انتباهه، أضف للتأثيرات الاجتماعية مثل القيم الثقافية  التي تروج للسيطرة من خلال البرامج الإعلامية والحوارية التي تبث على القنوات، وأحياناً ضعف شخصية الرجل وقلة تدبره لبعض الأمور الحياتية، والتي تدفع بالزوجة للواجهة للقيام بتلك الأمور عن الرجل، والتي تضاف إلى كاهلها ستدفعها للتنمر عليه حتماً حسب رأيها.

الخرس الزوجي
كما بيّنت أسعد أنّ الزوجة عندما تلجأ للكلمات السلبية، من إهانات، واستهزاء، قد تصعد الأمور حتى تصل إلى العنف، ما يشكل عائقاً أمام مستقبل الأسرة ويؤثر سلباً عليها، لافتة إلى أن غياب التراحم والمودة يمكن أن يؤدي أيضاً إلى “الخرس الزوجي والاكتئاب الأسري”، لكن في حال توافر الرغبة الحقيقية من كلا الطرفين في حل الأمور، حينها يمكن حل مشكلة التنمر والقضاء على هذه السلوكيات السلبية.

التحكم الأكبر في العلاقة، والاحتياجات غير المُلباة “مشاعر الإهمال” من قبل زوجها قد تدفعها للتنمر للحصول على انتباهه

كما أوضحت أسعد أنّ موضوع التنمر في العلاقات الزوجية يعد من القضايا الحساسة والمعقدة، ويتطلب فهماً عميقاً وإستراتيجيات فعالة للتعامل معه، ومن هنا نجد أنه و في قلب هذه الموضوعات تكمن أهمية “التوازن” بين الشريكين، إذ إنه بزعزعة هذا التوازن يؤدي إلى مشاعر عدم الأمان والإحباط لدى الطرف المتعرض للإساءة وهو الرجل.

الإرث النفسي للأطفال
وقد أشارت أسعد إلى أنّ التنمر لا يقتصر تأثيره على الزوجين فحسب، بل يمتد إلى الأطفال الذين يكبرون في بيئة مشحونة بالتوتر، حيث تشير الأبحاث إلى أنّ الأطفال الذين ينشؤون في منازل تتسم بالعدوانية أو الإساءة يكونون أكثر عرضة لتكرار هذه الأنماط السلبية، سواء من خلال التنمر أو التعرض له في المدارس. لذا، من المهم التفكير في الإرث النفسي الذي نتركه للأطفال، والسعي لبناء بيئة صحية تعزز من تطورهم الإيجابي.

الأطفال الذين ينشؤون في منازل تتسم بالعدوانية أو الإساءة يكونون أكثر عرضة لتكرار هذه الأنماط السلبية

علاج
فهم هذه الأسباب يساعد في تحسين العلاقة بين الزوجين، وفق رأي أسعد، إلّا أنّ العلاج يكمن في الاعتراف به، إذ يجب على الزوج أن يدرك أن التنمر هو مشكلة تحتاج إلى مواجهة، ثم العمل على تطوير مهارات التواصل بينهما والقائم على الفهم والتعاطف، يمكن أن يسهم في تحسين ديناميكيات العلاقة، فمن الضروري أن يسعى الزوج لتجنب الدخول في صراعات، وأن يحاول فهم مشاعر الزوجة، ما يساعد في تخفيف حدة الموقف، وتقليل الانجرار إلى المناقشات الحادة، ومحاولة توجيه الحديث نحو الإيجابية، فينبغي على الزوج تعزيز الألفة من خلال مشاركة الأنشطة والتواصل المفتوح، والعمل على إظهار التقدير والدعم الذي يمكن أن يفتح الباب أمام تحسين العلاقة وتخفيف مشاعر الغضب والإحباط، لافتة إلى أنه إذا كانت الزوجة تعاني من نقص في التعليم أو الثقة بالنفس، يمكن أن يكون تعليمها وتطوير مهاراتها خطوة مهمة نحو تغيير ديناميكية العلاقة، بمنحها الفرصة لتعلم المهارات الجديدة يمكن أن يساعد في تعزيز ثقتها بنفسها، وبالتالي التقليل من السلوكيات السلبية كالتنمر.
وختمت أسعد أنه على الزوجين بذل الجهد المشترك لتحسين العلاقة، وبناء بيئة صحية تعزز من الروابط الأسرية، وذلك يسهم في نمو الأطفال بطريقة إيجابية بالتواصل الفعّال، والاحترام المتبادل، لافتة إلى أن الشراكة الداعمة هي المفاتيح لتحقيق علاقة مستقرة وسعيدة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار