“هذي حكايتي”… نحن بحاجة إلى القصة السورية كوثيقة وطن

تشرين- حلا خيربك:
كتابة القصة هي الأصعب، أصعب من كتابة السيناريو، أو المقال، ولكنها أكثر متعة، فعند كتابة قصة يجب أن تدرس كلماتك بعد أن تفضي بأفكارك على الورق، وتكمن المتعة في الاختزال، في الحذف، يجب ألا تكتب أي كلمة فائضة كي تصل للتأثير الذي ترغب به على القارئ، وكيلا تدخله في تفاصيل تضيعه وتشتته، إنها عملية أشبه بالنحت، أو النجارة، عندما يصوغ النجار بالخشب شكلاً معيناً، فإن عمله يتلخص بالاختزال، والتخلص من الأخشاب الزائدة عن تصميمه.
وللأسف أنه ليست لدينا فعاليات أو أنشطة تشجع الكتّاب على مزاولة الكتابة، فحتى المسابقات والمهرجانات، لا تدفع الكاتب للاستمرار، فلم نرَ جائزة مثلاً تتضمن نشر كتيب لكاتبٍ ناشئ، ولا مبلغاً مالياً مهماً يمكّنه من طباعة كتابه، ولا دور نشر تتبنى تسويق الكتاب والإعلان عنه، كما لو كانت الكتابة ترف فائض لا طائل منه، ومع ذلك ما زال بعضنا يتحيّن الوقت والفرص لممارسة هذه “النزوة” والمتعة والحرفة، ويختلس لها وقتا يفضي بها بأفكاره الخطرة على الورق، نعم غالباً ما تكون هذه الأفكار مهمة وخطيرة حتى تشكّل الدافع والمحرّض الملح لهذا العمل.

وثيقة وطن
مناسبة ما تقدّم؛ إنه منذ مدة أطلقت مؤسسة (وثيقة وطن) جائزتها السنوية بعنوان “هذي حكايتي”، وتطلب قصة واقعية، وإذا كانت القصة المتخيلة أو المفترضة صعبة الكتابة فتشكّل القصة الواقعية أو الحقيقية تحدّياً أكبر للكاتب، كونه ليست لديه فرصة أن يجد لها مخارج أو أن يشطح بخياله، وإنما لديه أحداث وشخصيات عليه الالتزام بها، لكن أين يكمن الإبداع ويتمكن الكاتب من فرد عضلاته وموهبته، بتخير الحبكة، بتخير أزمنة مناسبة في القصة وتقديمها وتأخيرها كونه يعرف عن القصة ما لا يعرفه القارئ، بأن يجد في قصة حقيقية تفصيلاً جميلاً وفريداً ليقتصه ويعمل عليه فيكون حبكته، ومن خلال تخير موضوع القص، بأن يختار من الواقع شخصية أو حدث ويعتقد أنه مناسب ليكون قصته..

القصة كعملية نحت
إذا عملية الانتقاء والتفضيل والاختيار والإبراز والتقديم والتأخير والاختزال، هي عملية الكتابة هنا.
وأغلب القصص والروايات العالمية التي لاقت نجاحاً وانتشاراً، كانت القصص التي حدثت في الحقيقة، أو التي تستند إلى أحداث واقعية، لأن لدى الناس ميلاً لأن تكون أو يعتقدون أن القصة التي يسمعونها حدثت حقاً، وهناك لدى الكاتب الكبير غابرييل غاريسا ماركيز اثنين من رواياته المهمة تستند إلى قصة حقيقية إذا أردنا نموذجاً للقص الواقعي وتأثيره واختلافه عن المؤلف أو الروائي، وهي: ” خبر اختطاف”، و”قصة موت معلن”، وهذا يثبت أن الواقع مادة غنية لأي كاتب للرواية، وسنتناول كل رواية في وقت لاحق على حدة لأنها أهم من أن تتم دراستها في مقال مشترك.

الأمر الملح
بشكل عام هناك شيء مشترك بين جميع الكتّاب، وهي أن القصة بالنسبة إليهم أمر ملح، وتثقل كواهلهم، حتى يعطوها حقها من الوقت والجهد لتصبح على الورق بشكلٍ كامل ومقنع حتى ولو عرفوا أنه لن يقرأها أحد!
والحقيقة نحن بدأنا نفتقد للرواية السورية الجيدة، وليست هناك حالياً رواية سورية، وهذا أمر خطر.. ففعلاً القص يوثق البلد ويوثق الثقافة في البلد، نحن نحتاج لأن نقرأ عن أماكن نعرفها وعن شخصيات تتحدى ظروفنا نحن، وعسى أن نرى تشجيع على الكتابة، وتشجيع للكتّاب الجدد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار