سقوفٌ منخفضة للصحافة.. وأبراجٌ مرتفعة للدراما!
أطرف ما يمكن حدوثه في الصحافة السورية، أن يعقد الصحفيون ندوةً يكيلون فيها المدائح للقوانين أو يطالبون بإعلام متطور وقوي يحوز متابعة الجماهير الكادحة، في حين لا تتمكّن تلك الإدارات من تحسين الوضع الاقتصادي للصحفي الذي يقبض ثلاثة آلاف ليرة على التقرير الإخباري يدفعها في الأغلب أجرة طريق! أما أطرف الجميع، فهو “الخيار والفقوس” في استكتاب المؤسسات الإعلامية التي يرتفع سقف بعضها أضعافاً مضاعفة عما يقبضه المحرّرون في الصحافة التي كانت ورقيةً، وأصبحت اليوم إلكترونية غير قادرة على منافسة الكثير من المواقع الإلكترونية حديثة العهد!
أما بالنسبة لأطرف شيء في العالم، فهو السقف المرتفع جداً أو السقف البرجي بالأحرى الذي تعمل تحته الدراما السورية، في حين يحسب المحرر في الإعلام الرسمي ألف حساب قبل أن ينتقد أيّ رئيس بلدية أو موظف يمكن أن يودي به إلى جرائم القدح والذم، وتالياً السجن والغرامات المالية الهائلة!
يقول البعض: إن المشكلة تكمن في عدم وضع الإصبع على الجرح في معظم القرارات التي تخصّ الإعلام، أو ربما تتركز المشكلة في أن الجرح غائر وعميق ، وتالياً فإن عملية معالجته تتطلب عمليةً جراحية دقيقة من الصعب إجراؤها في هذه المرحلة .
منطقياً، يقبل العاملون في الإعلام، بمعاملتهم سواسيةً مع الدراما من جهة حرية التعبير وتناول العناوين الإشكالية فقط ، ولن يطالبوا بالعدالة في توزيع الأجور بين نجوم المسلسلات من جهة وكتّاب الزوايا والمقالات والتحقيقات الصحفية من جهة أخرى.. وإذا كان من المستحيل المساواة بين الدراما والإعلام ، اقتصادياً، فعلى الأقل لا يوجد مسوّغ لعدم وجود العدالة الاقتصادية بين منابر الإعلام الرسمي نفسها.
ما نعرفه أن هناك مشروع قانونٍ لرفع استكتاب المحرّرين في وسائل الإعلام الرسمية، لكنه يتعرّض إلى تأجيلات وعراقيل كبيرة تؤكد أن صدوره في المدى المنظور أمٌر بالغ الصعوبة، وفي الوقت نفسه يُطالب أولئك الإعلاميون بأن يكونوا متصدّرين في ماراثون الإعلام الحديث عالمياً، وأن يسهموا في صياغة الرأي العام وتوجيهه والاستنفار ليلاً و نهاراً ، بينما يعانون الفاقة وشظف العيش والشعور بالغبن نتيجة غياب العدالة بين وسائل الإعلام نفسها، وبين تلك الوسائل والدراما من ناحية ثانية!