لعبة النقود – الدولار –  والقطبية المخفية؟!  

النقود هي كل مايتفق عليه كوسيلة تبادل ومقياس قيم وأداة اكتناز وادخار، ومن أهم النقود التي استخدمت تاريخياً هي النقود الذهبية ، وتجسد هذا في ( قاعدة الذهب ) أو ( الغطاء الذهبي )، وفيها يتم ربط كل العملات بالذهب  سواء عن طريق الذهب الصافي أو السبائك الذهبية، وبدأ العمل بهذه القاعدة النقدية في بريطانيا سنة  /1821/ وحتى /1971/ ، وفي سنة /1944/ وبعد الحرب العالمية الثانية وخروج أمريكا من الحرب منتصرة بادر الاقتصاديون الأمريكيون للدعوة إلى مؤتمر نقدي عالمي  حضره ممثلون عن
/44/ دولة وادعت أمريكا أنها تمتلك ما يعادل  /75%/ من الذهب العالمي، وهذا يؤهلها لربط عملتها بالذهب وأنها قادرة على تبديل أي دولار في العالم بما يعادله ذهبا، وحدد معادلة التبادل على أساس [ أونصة الذهب = 31غرام = 35$ ] أي إن سعر الدولار من الذهب يساوي [ 35÷31=1،2$ ] وهنا ظهر مصطلح ( الدولار الذهبي ) ومضمونه أن أمريكا تتعهد بتبديل كل غرام ذهب  بسعر /1،2/$ وعرف هذا النظام باسم ( بريتون وودز ) نسبة إلى منتجع بريتون وودز في ولاية نيوهامبشير الأمريكية مكان انعقاد المؤتمر، وهنا تجدر الإشارة إلى أن سعر الأونصة حالياً بحدود/1650/ $ وهذا يوضح  كيف تستغل أمريكا العالم بدولارها والذي تكلفة طباعة ورقة نقدية /100/ $ هي أقل من /0،07/ $؟ فأي تجارة أربح من هذه التجارة ؟!
وتعزز هذا بعد أن ربطت أمريكا القارة الأوروبية بها عن طريق مشروع ( جورج مارشال ) وزير الخارجية الأمريكية في ذاك الوقت، والمشروع عبارة عن خطة اقتصادية للإنعاش الاقتصادي لأوروبا من خلال مساعدتها في إعادة الإعمار الأوروبية وتقديم هبات عينية ونقدية طويلة الأمد وبالعملة الأمريكية ( الدولار الامريكي ).
وانطلاقاً من هذا تحكمت في كل العملات العالمية، ومع سيطرة الدولار فإن الكثير من دول العالم ربطت عملاتها بالدولار وحتى عمدت بعضاً من الدول  إلى ( دولرة اقتصادها ) أي التعامل بالدولار في علاقاتها الاقتصادية إلى جانب عملتها الوطنية، وهذه الحالة هي من أشد الأمراض الاقتصادية التي يواجهها أي اقتصاد وطني، واستمر العمل بمبادئ ( بريتون وودز ) حتى تاريخ 15/8/1971 حيث تم إلغاء ( الدولار الذهبي ) من قبل إدارة الرئيس الامريكي ( نيكسون ) وضربت أمريكا عرض الحائط بكل الاتفاقيات والمواثيق الدولية ، ومنذ ذلك الوقت تمّ فك ارتباط الدولار بالذهب ، وبدأت مرحلة طباعة الدولارات من دون قيد أو شرط وتم ( تعويم الدولار ) أي طباعة الكمية المناسبة وفقاً للعرض والطلب من دون مراعاة الأسس والقواعد الاقتصادية الناظمة والمحددة لذلك  وخاصة تغطية العملة المطبوعة  بالإنتاج أو بالذهب ، ومع الأزمة الأمريكية بعد حرب فيتنام في سبعينيات القرن الماضي وزيادة الأعباء الاقتصادية على أمريكا دفعتها للضغط على  منظمة ( الأوبك ) أي الدول المصدرة للنفط لكي تربط تسويق النفط  فقط بالدولار أو ( البترو دولار ) وبضمانة القوة العسكرية الأمريكية فقط  وليس قيمة الإنتاج أو كمية الذهب ، وأكثر الخبراء الاقتصاديين العالميين يعرفون أن أمريكا غير قادرة على تغطية دولاراتها ( السائبة ) بدليل أن الاحتياطي الذهبي الأمريكي  حالياً يبلغ /8134/ طناً وهي تعادل /504/ مليار دولار فقط وديون أمريكا حالياً أكثر من /28000/ مليار دولار ، ومن هنا أتوقع أن أمريكا وأمام مديونيتها الضخمة التي تعادل أكثر من /120%/ من ناتجها الإجمالي ستمتنع عن تسديد الديون والاكتفاء بتسجيلها فقط وأطلق على هذا المصطلح ( تنقيد الديون ) أو ستخفض من قيمة عملاتها وتزيد من الطباعة لتضمن قدرة السداد ما يوقع العالم كله في مطب التضخم ، فهل يقدم الاقتصاديون الروس لاستغلال هاتين الحالتين والعمل لوضع خطة نقدية ليصبح الروبل عملة عالمية بدل الدولار ؟، وروسيا تمتلك مقومات ذلك أكثر مما كانت أمريكا تمتلك سنة /1944/ ونذكر من هذه المقومات مثلاً [تمتلك كمية /2300/ طن من الذهب وبما يشكل /20%/ من الاحتياطي الذهبي العالمي ويعادل مليون أونصة واحتلت المرتبة الثانية في إنتاج الذهب سنة /2020/ وزاد احتياطها النقدي من الذهب بمقدار /4/ مرات مقارنة مع سنة /2010/، ولديها الكثير من الثروات الطبيعية وهي ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي وثالث أكبر منتج للنفط في العالم واقتصادها متنوع ( زراعة وصناعة وأسلحة ومياه وسياحة .الخ ) ولديها احتياطيات نقدية بمقدار /604/ مليارات $ من الذهب والعملات القابلة للتحويل عالمياً ووفقاً للتقارير الغربية، وحسناً فعلت القيادة الروسية أن حددت سعر ربط غرام الذهب بالروبل بمبلغ /5000/ وبالتالي سيكون السعر التوازني حالياً للدولار هو بحدود /80/ روبل ، وهذا هو هاجس الإدارة الأمريكية حالياً ولا سيما مع إعلان الكثير من الدول استعدادها للتعامل بالروبل .

ومع تحرر روسيا من سيطرة الدولار ستكون قادرة على التخلص من (نظام السويفت) وسيساعدها في هذا الاعتماد على [ اليوان الصيني وعملات دول  مجموعة البريكس والعملات المشفرة ] وغيرها، فهل دقت روسيا المسمار الأخير في نعش الدولار الأمريكي؟ هذا يتوقف على إجراءاتها الاقتصادية وتعاون الدول الصديقة وخاصة الصين ودول البريكس؟! ومن هنا نتفهم تشجيع الاستثمار في الذهب في روسيا ومن دون القيمة المضافة، وهذا يمهد الطريق لإنهاء سيطرة الدولار وأمريكا على العالم .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار