نظام المدفوعات الدولية و”بترو روبل” بدلا من “بترو دولار”!
تسعى أمريكا كما فعلت مع سورية لتحريض أغلب المنظمات الدولية وخاصة تلك التي تعتبر بمنزلة اليد اليمنى لوزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين ضد روسيا ، فقد أكدت مديرة صندوق النقد الدولي البلغارية (كري ستالينا جورجييفا) ومدير صندوق النقد الدولي الأمريكي ( ديفيد مالباس ) في آخر لقاء بينهما على مطالبتهما بتقديم الدعم المالي لأوكرانيا بعد أن وافق صندوق النقد الدولي على تقديم /1،4/ مليار دولار لدعم أوكرانيا لتمويل نفقاتها ودعم ميزان مدفوعاتها ، وبالوقت نفسه تعقد 3 قمم عالمية ضد روسيا هذا الأسبوع وهي ( قمة الناتو ومجموعة السبع الصناعية وقمة الاتحاد الأوروبي )، ويزداد النفاق السياسي لدول (الناتو) من خلال زج الأوكرانيين في هذه الحرب المحسومة النتائج وادعائها بتقديم الدعم المطلق، ولكن من جهة ثانية تؤكد أنها لن تحارب على الأرض الأوكرانية لأنها ليست من أراضي حلف الناتو، أي عمليا فإنها تركت مصير الشعب الأوكراني لنزعات قيادته المتعصبة ممثلة بالرئيس ( فولوديمير زيلنسكي ) الذي يسعى لتحويل أوكرانيا الواقعة في قلب أوروبا وعلى حدود روسيا إلى ركيزة أمامية لحلف الناتو ، ودول الناتو تعرف قوة روسيا ووطنية الشعب الروسي وأن روسيا ليست من ( جمهوريات الموز ) وهي تطلب وتدعو للسلام والأمن العالميين من دون أن تنسى أو تتناسى تطوير اقتصادها وقوتها العسكرية ولا تثق بالادعاءات الغربية وتعمل كما يقول المثل اللاتيني ( إذا أردت السلام فاستعد للحرب ) ، كما أن دول الناتو تعرف أنها غير قادرة على الدخول بمواجهة وشن حرب عالمية ثالثة نووية ليس بسبب أخلاقيتها بل بسبب ( توازن الرعب العسكري) لروسيا وحلفائها ، ولذلك تلجأ إلى استنزاف روسيا مستخدمة الشعب الأوكراني، وهنا تكرر قول رئيس وزراء بريطانيا ( ونستون تشرشل) خلال الحرب العالمية الثانية عندما قال [ سأحارب السوفييت ( الروس ) حتى أخر رجل سوفييتي ] ، واقتصاديا بعد تلك الحرب تربعت أمريكا على عرش النظام الاقتصادي العالمي ( لأنها خرجت من الحرب منتصرة من دون ان تحارب ) وكانت تمتلك أكبر كمية من الذهب العالمي، ومن جهة أخرى لدى روسيا حلفاء أقوياء مثل (منظومة البريكس وشنغهاي ودول الاتحاد الأوراسي …الخ ) ، ولديهم من الاحتياطيات النقدية والذهبية واقتصاد متنوع من حوامل الطاقة والمنتجات الزراعية والصناعية ومراكز البحث العالمية والتطور الفضائي …إلخ ، وكل هذا يساعد روسيا للانتصار لأن (قوام الحرب ثلاثة وهي: المال ثم المال ثم المال ) كما قال نابليون بونابرت الذي هزم على مشارف موسكو سنة /1812 / .
وصدرت قرارات اقتصادية روسية ستقوي من موقع روسيا على الساحة العالمية ومنها التعامل بالروبل الروسي لصادراتها بدلا من ( اليورو والدولار ) وهذا سيولد مقومات موضوعية لولادة نظام مالي عالمي ومدفوعات دولية وهو (بترو روبل ) بدلا من ( بترو دولار) ، ما أدى مباشرة إلى تراجع سعر صرف الدولار أمام الروبل بعد أن سجل ارتفاعا في الأيام الماضية ، ونتوقع ان تزداد قريبا المنافسة بين القارة العجوز وتركيا والصين والهند لشراء الغاز الروسي ، كما أدى إلى ذعر بين القادة الأوروبيين وخاصة ( ألمانيا ) التي تستورد بحدود /49%/ من احتياجاتها من الغاز من روسيا ، وعندها سترتد العقوبات الأوروبية على الشعوب الأوروبية ، ومن جهة أخرى بدأنا نسمع احتجاجات الشركات الغربية من تصرف حكوماتها ضد روسيا ، وكمثال على ذلك فإن أغلب شركات الوساطة المالية الغربية بدأت تدرس التأثيرات السلبية لإخراج روسيا من نظام ( السويفت ) حيث تبلغ حركة التعامل النقدي بين أوروبا وروسيا أكثر من /700/ مليار يورو ، و أن شركة النفط البريطانية (بريتيش بتروليومBP ) وهي تملك حصة كبيرة في شركة الطاقة الروسية العملاقة ( روسنفت) كانت تحقق أكثر من /20%/ من أرباحها من روسيا، كذلك كل من ( شل وإكسون موبيل وإكوينور و( آبل ) و شركات البيع بالتجزئة لاسيما أن روسيا كانت خامس أكبر سوق للبيع بالتجزئة في أوروبا سنة /2021/ بقيمة /337،2/ مليار جنيه إسترليني ، كما أن التأثير بدا واضحا على شركات السيارات مثل ( جاكوار، ولاندروفر وجنرال موتورز وآستون مارتن ورولز رويس)، وسيساهم في تضييق الخناق على الشركات الغربية بشأن القرارات الاقتصادية التي صدرت ومنها منع بيع أي ( أصول ثابتة ) روسية للشركات الأجنبية ، فإلى متى يستمر (عض الأصابع )، ومتى سيعلن الناتو الذي يحارب على الأرض الأوكرانية باستخدام ربيبته القيادة الأوكرانية الاستسلام للمطالب الروسية المحقة ليضمن سلامته، وكما قال ( أرسطو ) بأن “غاية الحرب هي السلام” ، وعندها ستنتصر الحضارة وكما قال كاتبنا الكبير رحمة الله عليه (حنا مينة): “القتال حضارة حين يكون ضد الذين يريدون هدم الحضارة” .