هل يمكن للدراما التلفزيونية أن تخفف من العنف ضد النساء؟
كلما قَتل ذكرٌ امرأة شنت النساء حرباً كلامية على الرجال، وهذا وجه حق وإن كان في ذلك وجه من العنف أيضاً، حتى من الرجال الذين يناصرون النساء بموقفهم، من دون أن نغفل عن حقهم في المطالبة بالاقتصاص من الذكر الذي ارتكب الجريمة، سواء أكانت بحق زوجته أم طفلته، أو كانت الضحية من خارج عائلته, فالقتل شنيع جداً والاعتداء على حرية الآخرين وحشية لا توصف.
شاهدتُ على المستوى الشخصي منذ بدء الحرب على سورية، والتي نتمنى أن تنتهي، كيف ارتقت أرواح كثيرة من المدنيين والعسكريين، سواء بالقنص أو بشظايا القنابل أو بالسيارات المفخخة، رجالاً ونساءً وأطفالاً، وتعاطفت معهم رغم عدم معرفتي بأغلبهم، لكن ذاكرتي لم تحتفظ سوى بوجه امرأة شاهدتها منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً في إحدى مستشفيات حمص عندما كنتُ مرافقاً لأحد أقاربي بعد حادث سير، كانت قد أُسعفت بجسد مدمى ورقبتها محزوزة بسكين تسّح دماً، لتفارق الحياة بعد دقائق من إدخالها غرفة العمليات، وكنتُ قد تابعت قضيتها في إحدى الصحف المختصة بالجرائم التي أشارت إلى هدر حقها من محام أفّاق أثبت مع طبيب بلا ضمير أن الزوج يخضع للعلاج النفسي ولم يكن بوعيه!.
«ذكورية بلا حدّ»!
إذاً لطالما ثمة ذكورية قاتلة مثل هذه، تتكالب على المرأة ولا يوجد قوانين تحمي حقوقها وتردع الذكور، وفي ظل عدم وجود ثقافة لدينا تخفف العنف عن النساء، ستظل مثل هذه الجرائم ترتكب بحقهن، وأول أبجدية في هذه الثقافة حقها في عدم اعتبار جسدها عاراً يجب ستره بالزواج المبكر قبل إكمال تعليمها وحصولها على عمل يؤمّن لها استقلالها الاقتصادي، الذي سيحميها من بطش الزوج والأخ معاً, وثاني الحقوق يتجسد في أن المرأة ليست جسداً فقط بل هي ندّ للرجل في كل شيء، ولهما الحقوق ذاتها، وثالث الحقوق في هذه الأبجدية أن الشرف لا ينحصر في منطقة حساسة في جسدها، فشرف الروح أسمى، فكل الرجال الفاسدين بتنوع فسادهم هم بلا شرف، وكذلك الذين يتباهون بذكوريتهم, فعندما تحصل المرأة على استقلالها الاقتصادي لا يعود لذويها السلطة على سلوكها إن تعرضت للعنف من زوجها، وهذا يساعدها على طلب التفريق بينها وبينه والعودة لبيت أهلها إن استحال عليها الاستقلال بالسكن، من دون أن تكون عبئاً عليهم، وهو سبب رئيس لعدم مناصرة ذويها لها حين تتعرض للعنف الزوجي, كما أن من الضروري إشاعة ثقافة أن المرأة المنفصلة عن زوجها ليست عاراً، فحالها هكذا أفضل بكثير من أن تصبح ضحية أو بعاهة مستدامة نتيجة ممارسة العنف عليها من زوجها, كما يجب نشر ثقافة تشجيع المرأة على تقديم شكوى ضد من يعنّفها سواء أكان زوجها أم شقيقها أم والدها, وترويج تلك الثقافة هي من مهمة الدراما التلفزيونية التي نفتقدها، وخاصة في الدراما الاجتماعية، ولا نقصد التي سميت بـ«دراما البيئة الشامية» المجحفة بحق المرأة والرجل في آن واحد.
أحلام كبيرة
ومن المفترض أن كل ما أشرنا إليه، ومقترحات أخرى لغيرنا من ذوي الاختصاص الاجتماعي والقانوني، أن تقاربه الدراما دائماً لأنها الأقدر على زرع تلك الأفكار في شرائح المجتمع العمرية كلها, وإن كان لنا أن نستعيد معكم مثالاً جيداً إلى حدٍ ما، وربما وحيداً في ما استحضرته الذاكرة، نستعيده من مسلسل (أحلام كبيرة) العام 2004 ، للكاتبة أمل حنا، والمخرج الراحل حاتم علي، رسمت الكاتبة فيه امرأة يعنفها زوجها بالضرب، وكيف تابعت الصحفية «وفاء/ نورمان أسعد» إثارة قضيتها بعد أن شاهدتها في مكتب المحامي «عمر الحلبي/ باسل خياط»، بعد أن جاءت تشتكي لترفع دعوة تفريق بينها وبين زوجها، لكن لا شيء لديها يثبت تعنيف زوجها لها، فطلب منها الذهاب لطبيب كي يعاينها ويكتب لها تقريراً طبياً ويسجل فيه سبب الكدمات التي في وجهها، فلم تعد.
المسلسل يدين القانون عندما طلب المحامي منها شهوداً ليفرقها عن زوجها، فتقول الزوجة ساخرة: وهل ثمة رجل حين يضرب زوجته يُحضرُ الآخرين ليتفرجوا!, ثم يقرأ المحامي خبر موت الزوجة مقتولة في الصحيفة فيحمّل ذاته المسؤولية ويسعى للدفاع عنها كي تقتص العدالة من الزوج، مستعيناً بشهادة الطبيب الذي توصلت له الصحفية.
لكن اللافت للنظر في المسلسل ما قالته أم القاتل لأم القتيلة: «لو كانت بنتك مرباية ما كان صار يلي صار»، والأم هذه تنطق بلسان المجتمع الذكوري المساهم في قتل كل امرأة تُقتل على يد زوجها، لأنها تتوهم أن الاحتجاج على الظلم هو نوع من عدم التربية، وتحميلها مسؤولية أن تكون ضحية لجلاد متوحش! ولم تنطق أم القتيلة بما هو أفضل، بل بلسان ذكوري أيضاً إذ قالت في المحكمة للقاضي إنها طلبت من بنتها الصبر على عنف زوجها فـ«إخوتك صعبين وما بدنا فضايح يا أمي»!.
كما كان لافتاً للنظر أيضاً أن تُقتل الشخصية في المسلسل بعد شهرين من مرورها على المحامي الذي وجهها لأن تلجأ لطبيبٍ، ما يعني أن ثمة خوفاً منعها من تقديم الشكوى، فلا قانون يحمي النساء المُعنفات فيمنعهم خوفهن من تقديم الشكوى، فيصلن إلى القتل على أيدي معنفيهن وغالباً هو الزوج.
ليس أخيراً
وفي اعتقادنا زرع ثقافة احترام المرأة وإنصافها يجب أن يبدأ بعدم تغييبها عن أوراق النعي حتى خلال موتها، عند أغلبية الناس، فكيف سينصفها الرجل وهو لا يقرأ اسمها في ورقة نعي والدها أو والدتها أو شقيقها أو زوجها وابنها أيضاً؟ وهذه تبدأ بقرار حكومي بعدم طبع ورقة نعي من دون ذكر اسم أم وشقيقات وبنات المتوفى، وذلك تحت طائلة المسؤولية!.