“القوريّة”.. أمبيرات ومجلس بلدي بلا آليات.. غلاء مستلزمات الزراعة ومطالب بفتح المراعي
تحتفظ مدينة القوريّة (62 كم شرق دير الزور) التي عرفت قديماً بـ”الداليّة” لكثرة دوالي العنب التي تُزرع في بساتينها، بطابعها الريفي، حيث تغطي الأراضي الزراعيّة مساحات واسعة فيها. أربع سنوات مرت على تحريرها من الإرهاب، الحياة فيها عادت لطبيعتها، غير أنّ يدَ الخدمات لا تزال قاصرة عن تلبية احتياجات الأهالي كما يقول بدوي خلف العلي (55 عاماً) الذي عاد لزراعة أرضه في حديثه لـ”تشرين” بالرغم من أن نسبة عاليّة من السكان قد عادوا لمنازلهم، مُبيناً الحاجة لتأمين المزيد من الخدمات التي تبدأ بالكهرباء ولا تنتهي عند مستلزمات الزراعة والأفران، والواقع الصحي والتعليمي وغيرها.
معاناة متعددة
رئيس مجلس المدينة علي معاين العبد يؤكد في حديثه لـ “تشرين” عودة نسبة كبيرة من السكان، فحسب إحصائية ميدانيّة أجرتها فرق المجلس، وصل عدد العائدين إلى حوالي 35 ألف نسمة، فيما نفوس المدينة قُبيل الأزمة كانت 65 ألفاً، وهذا يستوجب استنفاراً من الجهات الحكومية للتخديم بالمقومات الأساسيّة وهو ما جرى ضمن المُستطاع وفي ظل أزمة ضربت المحافظة ككل وأتت على بناها التحتيّة.
وأضاف: لا يوجد لدى مجلس المدينة آليات، فما كان في عهدتنا دمره الإرهاب، كنّا نملك عدداً كبيراً من آليات العمل البلدي ومنها: 3 بوكات، تركس كبير، ضاغطة عدد 2، قلاب عدد 2، صهريج للمياه بسعة 80 برميلاً، كانسة شوارع، 5 جرارات، ومثلها من المقطورات، ومياه مقطورة عدد 5، ناهيك بسيارة تاكسي و (بيك آب) لغرض أعمال المتابعة الإداريّة، كل هذه الآليات سُرقت ومنها ما دمره الإرهاب، ما شكّل، ولا يزال، معاناة كبيرة في توفير الخدمات بشكلها الأمثل، كانت مهمتنا الأولى بالتعاون مع منظمات دوليّة فتح الشوارع الرئيسة والفرعيّة بالكامل، ومن ثم إزالة الأنقاض، ومن معاناتنا الافتقاد للكوادر الفنيّة، إضافةً للإداريّة، فملاك المجلس حالياً 20 عاملاً أغلبهم من الفئتين الرابعة والخامسة.
ويلفت رئيس مجلس المدينة إلى أن نسبة الأضرار التي طالت مساكن المواطنين تصل 35 %، ناهيك بالأضرار في الدوائر الحكوميّة ولاسيما المُنتجة منها كوحدة السّجاد اليدوي الذي تشتهر بصناعته المدينة، وهي من القطاعات المُهمة، و قائمة المباني الحكوميّة التي تحتاج تأهيلاً تطول، فمخبز البلدية الذي بات في عهدة المخابز الاحتياطيّة بحاجة لخط إنتاج جديد لكون القديم غير صالح للعمل بالمُطلق، علماً أنّ القوريّة تضم مخبزين قطاع خاص، إضافةً لمخبز البلدية المذكور آنفاً وكميات الطحين المُخصصة لنا 2,5 طن وهي لا تُغطي حاجة الأهالي، فيما لا تزال محطة المياه خارج الخدمة بعد تأهيل اثنتين منها وهي لا تُغذي سوى ثُلث المدينة نتيجة انخفاض ساعات التشغيل لقلة الوقود، فشبكة مياه حي “الوسط” طولها يصل إلى 70 كم ومحطة مياهه تعمل ست ساعات، بمعدل 3 مرات أسبوعياً، الأمر الذي يفرض تزويد تلك المحطات بمحولات كهربائية تُؤمن فترة تشغيل مدة انقطاع الوقود أو في حال نقص كمياته، موضحاً ضرورة تجهيز محطات الرفع للصرف الصحي وعددها 3، فوضعها حالياً يتسبب بتسرب مياه الصرف في بعض الشوارع، وتابع العلي: لا يزال مركزنا الثقافي على حاله، هو من أكبر المراكز مساحةً ويضم مسرحاً وصالات عرض وصالة مركزيّة، وتُقدر مساحته مع فنائه 5 دونمات، هو بحاجة لتجهيزات وترميمات بسيطة من ضمنها التمديدات الكهربائية والصحيّة، وهو حالياً مُفعّل بشكل مؤقت ضمن مبنى المجلس البلدي.
كذلك مركز طوارئ الكهرباء غير مُفعل، فالتغذية الكهربائية للمدينة تُؤمنها 6 محولات فقط باستطاعة 5 أمبيرات للمنزل، ولن نحتاج هنا شرحاً للمعاناة بهذا الصدد، ولاسيما في فصل الشتاء، فاستطاعة كهذه تُؤمن فقط الإنارة وأجهزة التلفاز والثلاجات، أما تسخين المياه للاستحمام مُستحيل، فكان البديل الحطب.
وينتظر كلٌ من مقسم الهاتف، والوحدة الإرشاديّة التأهيل، فيما السجل المدني جرى تأهيله بجهود العمل الشعبي، لكنه للآن لم يُفتتح، علماً أنّ افتتاحه يُخفف الكثير على المواطنين مادياً وجهداً لتسجيل وقائع الأحوال الشخصيّة، كذلك الأمر بالنسبة لصالة التجزئة بمجلس المدينة وهي مؤهلة لكن لم تُفتتح بعد، ولا نُغفل هنا بالذكر دار التوليد الذي عرض مجموعة من أهالي المدينة من الميسورين تأهيله بالعمل الشعبي وهو مبنى ضخم يخدم تفعيله مدينتنا والريف المُحيط، وهذ الأمر عرضناه على المُحافظ في لقائه مع وجهاء القوريّة، ووجه مدير صحة دير الزور بمتابعة الأمر بعد أن كلفه بمعاينة المبنى واتخاذ ما يلزم بهذا الصدد وتسهيل ما يخدم الأهالي هناك.
وبحسب رئيس المجلس، فإن أعداد الطلاب والطالبات العائدين لمقاعد لدراسة بعد تحرير المدينّة تجاوز 7 آلاف، منهم 6500 طالبٍ وطالبة لمرحلة التعليم الأساسي حلقة أولى، و 1000 للحلقة الثانيّة، و500 لمرحلة التعليم الثانوي، فيما تبلغ أعداد المدارس 20، أُهِّلَ منها واحدة فقط، واثنتان قيد التأهيل حالياً، مع الإشارة إلى أن البقيّة المُستخدمة حالياً تحتاج تأهيل الأبواب والنوافذ ودهان الجدران وإصلاح المرافق ولاسيما الحمّامات.
وطالب العلي بتوجه أكبر في عمل المنظمات الدوليّة لتخديم المدينة التي تُسجل يوماً بعد آخر عودة المزيد من الأهالي، مُذكراً أن مساحة أراضي المدينّة تُقارب 5 آلاف هكتار، بمخطط تنظيمي لعشرة آلاف دونم، وأن إمكانيّة إطلاق مشروعات عدة فيها تتطلب توجهاً كهذا، ولعل أهم ما يُطرح هنا هو إعادة تأهيل محال سوق المدينّة لما له من ضرورة حياتيّة للأهالي ويُسهم في خلق فرص عمل.
هموم زراعيّة
لعلّ أكبر ما تحقق في رصيد القطاع الزراعي لمدينة القوريّة هو إعادة تشغيل قطاع الري الخامس الذي يروي أراضيها وقرى أخرى، أمرٌ لاقى الثناء من قبل الفلاحين الذين عادوا لاستثمار أراضيهم بمختلف أنواع المحاصيل الشتويّة والصيفيّة، يقول رئيس الجمعيّة الفلاحيّة حسون أحمد العبد عن ذلك:
أعاد تفعيل مشروع القطاع الخامس العام المنصرم مساحات شاسعة للاستثمار، مُقدراً مساحات ريه بـ18 ألف دونمٍ، هي خطوة كبيرة في ظل ظروف الحصار وصعوبة تأمين المستلزمات، لكنه أُنجز وبات واقعاً بجهود الجهات الحكوميّة.
العبد بيّن أنّ لدى القطاع الزراعي جانباً آخر بشأن ري الأراضي وهو الجمعيات التعاونيّة الفلاحيّة التي تروي محركاتها قرابة 7 آلاف دونم، إذ لديهم 7 مجموعات تتبع للجمعية، جرى تأهيل مجموعتي (الفرحان والطعس) من قبل منظمة “أوكسفام” فيما بقيت 5 غير مؤهلة، والعمل على تأهيلها بلا شك سيزيد من مساحات الاستثمار الزراعي في أراضي المدينة.
وأوضح العبد أن معاناة القطاع الزراعي في القورية، بل في عموم المحافظة والقطر تتمثل بقلة الأسمدة، ناهيك بارتفاع أجور مستلزمات الإنتاج بشكل عام فوق قدرات الفلاح الماديّة، مروراً بالحراثة، وصولاً لعمليّة الري التي تواجه مشكلة انحسار منسوب مياه نهر الفرات، وهذا ينعكس على تشغيل محركات الري، ناهيك بقلة كميات الوقود الذي يضطر الفلاح إزاءها للجوء للسوق السوداء، وبالتالي المزيد من التكاليف الباهظة.
وختم رئيس الجمعيّة الفلاحيّة بضرورة إعادة تفعيل المصلحة الزراعيّة بالمنطقة.
افتحوا المراعي
خلال جولة “تشرين” في مدينة القوريّة لإعداد التحقيق، طالب الأهالي بضرورة فتح مراعي البادية، فالخطوة هنا تُعود بالخير على مربي الثروة الحيوانيّة في ظل ارتفاع أسعار المواد العلفيّة الذي يواجهه المربون، رئيس الجمعيّة الغناميّة أحمد صالح العبد أكد أن العودة الكبيرة للأهالي حمل أيضاً عودة الثروة الحيوانيّة وهذا الأمر له مُنعكسات إيجابيّة على الواقع المعيشي هنا وفي المحافظة.
تصل أعداد الثروة الحيوانيّة في القوريّة حسب العبد إلى 31 ألف رأسٍ من الغنم والماعز، ومن البقر قرابة 1700، التعداد وفقاً لإحصاء ميداني جرى العام الماضي 2020.
ردود المعنيين تُعيد الأمر للوضع الأمني وهذا بلا شك يأتي حرصاً على سلامة الناس، لكن المساحة المطلوب فتحها لا تتجاوز 30 كم في بادية المدينّة وهذه بالاستطاعة تأمينها وإن بجهود الأهالي، فأسعار الأعلاف مرتفعة جداً، والكميات المُقدمة بالدورات العلفيّة غير كافيّة، فمنذ 8 أشهر فُتحت دورة واحدة قُدمت خلالها مادة النخالة بكمية 10 كيلو غرامات للرأس الواحد، وبقية المواد تُشترى من السوق السوداء، وحالياً بدأ المربون بالتسجيل على دورة جديدة، وهي في العموم غير كافيّة، لذا ففتح المراعي وإنْ بالمساحة المذكورّة هو حل ضمن هذه الظروف.
إحصاءات
مما لاشك فيه أن الرقم الإحصائي يُعطي تصوراً أدق لأي عمل منشود تعتمده الجهات الحكوميّة في توجيه مشروعاتها وفق حاجات وواقع كل منطقة مُستهديةً بالرقم الإحصائي، أرقام كهذه تحتاجها أيضاً المنظمات والجمعيات الناشطة في المحافظة وفق ما أفاد رئيس مجلس المدينة علي معاين العبد.
وإضافةً لما ذكر من أرقام، فإنّ مجلس مدينة القوريّة أوجد إحصاءً ميدانياً مُفيداً، فبالإضافة لعدد السكان حالياً وسابقاً، فإن أعداد الأطفال دون سن الخامسة عشرة بلغ 12 ألفاً، أما المسنون ممن تجاوزوا الخامسة والستين، فإن أعدادهم تصل إلى 400، والأطفال دون السنتين 6 آلاف، فيما مجموع الأسر القاطنة يبلغ 4 آلاف أسرة، وأعداد المعوقين تبلغ 420 بمختلف الفئات، ومجموع الأطباء من مختلف الاختصاصات يصل إلى 6، الممرضون 7، أما الصيدليات فعددها 4، ويصل عدد المساكن إلى 7 آلاف، والمحال التجاريّة 180، مع 30 ورشة لأعمال مهنيّة، وتُشكل المرأة مانسبته 25 % من قوة العمل بالمدينة.
المعنيون يردون
في معرض ردود المعنيين على شكاوى أهالي القوريّة أشار مدير زراعة دير الزور المهندس أسعد الطوكان فيما يخص موضوع فتح المراعي لمربي الثروة الحيوانيّة في البادية أن الأمر مُرتبط بالوضع الأمني وخوفاً من تعرض المربين لاستهدافات من قبل بقايا تنظيم “داعش”، وهو حالة احتياطيّة ريثما تستقر الأوضاع بشكل كامل في المحافظة ويعود تقديرها للجهات المُختصة، أما وقود الري فيجري توزيعه عبر اتحاد الفلاحين، وقد وزعت كميات شهر تشرين الثاني إذ بلغت 562 ألف ليتر من المازوت، وأقرت لجنة المحروقات الفرعيّة 26 طلباً للشهر الجاري، وكذلك وزعت الأسمدة كدفعة أولى.. غلاء المستلزمات وضع عام في سوريّة كنتيجة للعقوبات الأمريكية الظالمة.
وعن الواقع الصحي أفاد مدير الصحة الدكتور بشار الشعيبي بأن المركز الصحي مُفعّل لتقديم الخدمات الصحيّة، وجرى عرض مبنى مشفى التوليد على المنظمات الدوليّة لتأهيله ضمن قائمة المشروعات في المحافظة ونحن بانتظار ما سيؤول إليه الأمر ونأمل أن يُدرج ضمن أعمال العام القادم.
فيما لفت مدير التربية جاسم الفريح في تصريحه لـ”تشرين” إلى أن المديرية تعمل وفق خطط مدروسة لكل عام تحكمها الإمكانات الموضوعة لكافة المجمعات التربويّة ومدارس مدينة القوريّة من ضمنها بلا شك، حالياً جارٍ تأهيل مدرسة من قبل مديرية الخدمات الفنيّة وأخرى من قبل “اليونيسيف”، علماً أن التربية تعتمد على كلتا الجهتين (الحكوميّة والمنظمات) لجهة تمويل وتنفيذ أعمال التأهيل سواء منها الشاملة أو الجزئية لتركيب أبواب ونوافذ، أو ترميم، أو ما يتعلق بالتمديدات الكهربائية والصحيّة.
وعن الواقع الكهربائي، أكد مدير كهرباء دير الزور المهندس خالد لطفي أن المحولات الكهربائية الموضوعة بالمدينة المذكورة تبلغ 6، باستطاعة 360 k.v لأربعة منها، واثنتين باستطاعة 50 k.v، وبكل الأحوال يتم العمل ضمن الإمكانات المتوفرة.
ذاكرة لا تموت
تحتضن مدينة القوريّة موقعاً دينياً شهيراً يُعدُ جزءاً من ذاكرتها التي تفخر بها، وهو موقع “عين علي” (5 كم عن مركز المدينّة)، والذي كان مقصد الأهالي والسياح على مدى السنين، مزارٌ ديني يُؤرخ حسب المرويات لانبجاس الماء الذي سقى منه الإمام علي بن أبي طالب(ع) جيشه العطِشْ أثناء إحدى حروبه، الموقع هو منارة يتوسطها درج دائري كان يستخدم في الصعود من أجل تأدية الأذان، وهذه المنارة بنيت مع تجديد بناء قلعة “الرحبة” فترة العصر العباسي، يذكر الأهالي أن تنظيم “داعش” قام بنسف المنارة خلال فترة سيطرته على المنطقة كمحاولة منه لطمس معالم المدينّة كما فعل في بقية المناطق السوريّة من تدمير للمعالم الأثرية والمواقع الدينيّة، حالياً جرى ترميم الموقع المذكور بدعم من الأصدقاء لتعود إليه الحياة كما عادت لحاضنته القوريّة.