السايكودراما.. لعبة الأدوار المسرحية كعلاجٍ نفسي للمرضى!
«سيد فرويد، أنت تقابل الناس في عيادتك، تُحدّثهم وتحلّل ماضيهم وأحلامهم، بينما أنا أهبهم الشجاعة ليحلموا من جديد، أدعوهم لإعادة تمثيل المواقف المؤثرة في حياتهم، من ثم تجميع أجزائهم المبعثرة وإعادة تشكيلها ثانية»، هذا ما قاله جاكوب مورينو ردّاً على سؤال سيغموند فرويد عن علاجاته فوق مسرحه الافتراضي.
ذكرياتنا العالقة، ما الوسيلة لعتقها، خبايانا الخاصة؟ كيف نرمم أرواحنا المنهكة أو نطلق مشاعرنا الدفينة؟ فالدراما حين تمتزج مع علم النفس بهيئة ما يسمى «السايكودراما» أتراها تشكل حلاً أو علاجاً لتفريغ انفعالاتنا الكامنة، إن واجه أحدنا ما يؤلمه وجهاً لوجه على مسرح ماضيه، هل تُخمد صراعاته الداخلية؟
السايكودراما
«شكل من أشكال المعالجة النفسية عبر التقنيات المسرحية» هكذا عرفت السايكودراما د. ميسون علي- أستاذة المسرح الحديث والمعاصر في المعهد العالي للفنون المسرحية في حديثها لـ«تشرين» متابعةً القول: «إنها علاج نفسي مبتكر أسسه الطبيب الروماني مورينو في كتابه «حول السيكودراما»، مورينو الذي عمل مع سيغموند فرويد لفترة من الزمن، اختلف معه فيما بعد نظرياً حين عدّ أن الإنسان منذ ولادته يتطور بناء على صيرورة «الدور» كقالب اجتماعي.
الكاتب المسرحي والناقد جوان جان، أوضح لـ«تشرين» أنه بعد ما يقارب ألفين وخمسمئة عام على ظهور أول مصطلحات الفن الدرامي، لم تعد هذه المصطلحات مقتصرة على عناوين محدودة كالكوميديا والتراجيديا، العنوانان اللذان سيطرا على المشهد الدرامي، المسرحي تحديداً على مدى سنوات طويلة، لتظهر فيما بعد مصطلحات حديثة حاولت الإحاطة بمختلف أنواع فنون العرض الدرامية التي تطورت واتسعت لتشمل مختلف مناحي الكتابة الدرامية والأداء والإخراج، ومن هذه المصطلحات مصطلح السايكودراما الذي يجمع بين الأداء الدرامي المسرحي والعلاج النفسيّ.
«تعرف السايكودراما بأنها تتناول المشكلات السلوكية والعواطف عند الأطفال، المشكلات العائدة إلى سن الطفولة عند المراهقين، المشكلات العائلية، ومشكلات العمل، والمشكلات النفسية عند الراشدين»، وجهةُ نظر نفسية ألقى الضوء عليها الأستاذ أحمد إبراهيم الاختصاصي النفسي، موضحاً: «قد يشارك في جلسات السايكودراما الأشخاص الذين يريدون مواجهة عالمهم الداخلي من دون أي خسائر أو الراغبون بالتعرّف إلى أنفسهم من الداخل أو مواجهة مشكلاتهم ».
أسلوب المعالجة
ترى الدكتورة ميسون علي أن المعالجة لا تبنى على الكلام وإنما الفعل، لذلك اعتمد مورينو المسرح كأسلوب للعلاج، كعلم «يستكشف الحقيقة بوسائل درامية» انطلاقاً من مبدأ تمثيل الواقعة ضمن مجموعة «مبدأ ديناميكية المجموعة» بدلاً من الكلام عنها في التحليل النفسي التقليدي، حيث تكرار الواقعة من خلال التمثيل يساعد المريض على الخلاص من الكبت، هذا ما يطلق عليه في علم النفس «نظرية المرة الثانية».
وتتابع الدكتورة ميسون: إن العلاج بالسايكودراما يتم على مراحل داخل أماكن الحياة اليومية بناء على ما يسمى لعبة الأدوار: إذ يقوم بعض المرضى بارتجال مشاهد انطلاقاً من تعليمات محددة تأخذ شكل سيناريو يقدمه الطبيب النفسي المشرف مع فريق من المحللين النفسيين، إضافة إلى مشرف درامي مدير للعبة كمعلّق وموجّه.. أثناء خلق الدور ومن خلال العلاقة مع الآخرين تتم حالة التحويل والتحويل العكسي ومن ثم التطهير، أي إزالة طابع الأزمة عن المشكلة بدل الأهواء.
«من الجدير بالذكر أن هناك تداخلاً بين بعض المفاهيم المسرحية ومفاهيم علم النفس مثل: الإنكار- التمثل- الإيهام، حيث تستند عملية السيكودراما إلى مفاهيم مسرحية مثل المحاكاة- التمثل- الدور، وكذلك التكرار، فعندما يعيد الإنسان تمثيل الواقعة يتغلب على الأزمة ويصبح سيد الموقف».
أما جوان جان فيقترح المعالجة عبر السايكودراما بإعطاء الممثل/المريض النفسي المفترض المجال واسعاً للتعبير عما يدور في داخله من انفعالات بهدف الحدّ من حالة التوتر والانفعال التي يمر بها الشخص المستهدَف، إضافة إلى تطوير الإمكانات ذات البعد الاجتماعي والعلاقات المتعددة للشخص التي ينسجها في محيط اجتماعي بالغ التعقيد ما يدفع الفرد إلى تعزيز قدراته في مقاومة الضغوط الخارجية وينقله من حالة التوتر إلى حالة الاستقرار النفسي.
«جلساتٌ تُخرج الغضب أو العنف الذى بداخل المرء من دون إيذاء نفسه أو أحد من حوله، فيمكنه أن يمثل دور قاتل متسلسل داخل الإطار الدرامي الذى يكون عبارة عن مسرحية يعدها الطبيب المتخصص مع وجود هدف للمجموعة المشاركة في التجارب النفسية المختلفة»، وفق وجهة نظر علم النفس، التي وضّحها الاختصاصي النفسي أحمد إبراهيم لنا، حيث تعمل هذه الجلسات على التصالح مع الذات دونما خسائر، كذلك وسط دعم من أشخاص مختلفين.